إن من اللهجات الحية والرائجة لهجة البيظان.. سواء سميناها اكلام البيظان” #البيظانية” أو “#الشعبية” أو “#الحسانية” أو #العامية” فلن يغير اختلاف التسمية جوهرها ولا بُنْيَتَها ، فهي في كل الحالات مزيج من:
1- العربية الفصحى… لغة القرآن والدين.
2- اللهجة الهلالية (الحسانية) التي دخلت مع عرب المعقل.
3- الصنهاجية اللسان الأصلي للسكان المحليين
4- اللهجات المحلية السودانية “الإفريقية”
ويتضح ذلك فيما يلي:
■- أما تأثرها باللغة الأم العربية الفصحى فواضح لا يحتاج إلى دليل حيث أخذت الكثير من كلماتها ،وبعض قواعدها وتراكيبها ونظامها الصوتي…
■- وأما تأثرها باللهجة الهلالية (#الحسانية) فهو الذي جعلها كما قال الأستاذ الكاتب: عمر ولد سيد محمد الصنهاجي تتسم بكثير من سمات اللهجات العربية الحية والتي هي مستخدمة في أرياف وبوادي بلاد العرب، في جزيرة العرب وخارجها علي النحو التالي:
1-إهمال حرف القاف وإبداله بالقاف المعقودة في أغلب الأحيان كما هو في لغة أهل صنعاء وقد يمثل لها بعض المهتمين من الباحثين بالجيم المصرية، وإن كانت إنما تشبه الجيم الحضرمية أو الجيم الظفارية التي سمعت وشهدت بنفسي أهل صلالة يتلفظون بها.
2- إهمال شبه كامل لحرف الغين وإبداله بالقاف وبالتالي كان التعويض عن القاف الفصيحة بالمعقودة سنة متبعة في كل اللهجات العربية البدوية ومن ضمنها (لهجة البيضان)
3- إهمال حرف الضاد الذي هو ميزة لغة العرب وإبداله بحرف الظاء مطلقا مع عدم إهمال الظاء وبالتالي تجد الكثيرين من عرب الأرياف والبوادي يخلطون خلطا كبيرا بين هذين الحرفين في النطق والكتابة عند التحدث بالفصحى أو كتابتها. وفي المثل : “أَصَحّْ من ظَبّْ تِيرِسْ” و المقصود هنا الضب المعروف والمعنى ” أقوى من ضب تيرس (بلد)”
■- أداء (لهجة البيضان) والجرس الموسيقي لها قريب من أداء باقي اللهجات العربية في شمال إفريقيا بسبب تأثرها جميعا (بالصنهاجية) تأثرا كبيرا كتأثر اللهجات العربية في منطقة الخليج باللغة الفارسية. وبالتالي لو سمع عربي مشرقي شخصا ليبيا -على سبيل المثال-يتحدث وآخر موريتانيا، فلن يستطيع التفريق بينهما وذلك بسبب بدء الكلمة بساكن دائما وبسبب تسهيل الهمزة في كلتا اللهجتبن وبالذات لو كان الليبي من الريف.
■- أما تأثرها بالصنهاجية فيتضح في كثير من سمات وصفات أداء اللغة وذلك على النحو التالي كما قال الأستاذ: عمر ولد سيد محمد الصنهاجي: فإن الأبجدية (البيظانية) بها حروف ليست في لأبحدية العربية المتداولة، وإنما يوجد بعضها بالأبجدية (الصنهاجية) وهي الحروف التالية.
1- حرف الزاي المفخمة والذي هو علم على الأمازيغية كالضاد في لغة العرب وترسم زايا بثلاث نقاط. مثال ذلك الزاي في الكلمات التالية : أَزَوَانْ (الموسيقى)، أَزَوَادْ (بلد)، تَازِبِّتْ (انتصار الله لعبده)، آزّْ (منتوج قريب من الأرز)، أَزِرْوَالْ ( أزرق)، زَوْزَايَة (مزمار).
2- القاف المعقودة في (لهجة البيضان) نوعان كما في (الصنهاجية).
أولاهما هي المعهودة عند عرب البوادي، كالتي في الكلمات التالية: گال (قال)، گام (قام). وثانيتهما مفخمة كالجيم المصرية كما في الكلمات التالية: بَگْرَه (بقرة)، گَرْفَه(صخرة)، ئنْگَمُّو(صنف من الكسكسي مبجل عندنا)
3- الكاف المفخمة أوالمغلطة في (البيظانية) حرف من الأبجدية الصنهاجية وليس موجودا في لغة العرب. ومن الكلمات التي بها الكاف المفخمة : أَبكَاكْ (نوع من الصمغ العربي بني غامق)، هَاكْ (لها معنيان: خذ و بين بين)
4- أحوال حرف الهمزة في لهجة البيظان هي نفس الحالات في الصنهاجية وفي كل اللهجات العربية المستخدمة في بلدان شمال إفريقيا (تمازغا) على نحو قريب من التعامل مع الهُمَزِ في رواية الإمام ورش عن نافع وذلك على النحو التالي :
أ-همزة القطع في الكلمات ذات الأصل العربي تنطق ولكنها بعد “ال” التعريف تسهل دائما، فمثلا الأرض تنطق “لَرْضُ” والأمين تنطق “لمِٓين”. وهمزة القطع في أول الكلمة تنطق مع الاسم المذكر المفرد من أصل صنهاجي مثل “أرگاج” وتعني الإنسان ، “أفگراش” الشاب أو الشجاع و”أدْلَگَانْ” الفاصوليا، وفيما عدا ذلك فتسهل الهمزة.
ب- حرف الهمزة في وسط الكلمة يتحول ويقلب لحرف مد مناسب للحركة التي قبله، نقول: “بِيرْ” بدلا من بئر، ونقول “رَايْ” بدلا من رأي. و”فَارْ” بدلا من فأر. هذا إن كانت الهمزة ساكنة، وأما إن كانت متحركة فإنها تقلب للحرف الذي كانت عليه بحركة مناسبة له، فنقول: “مُوَذِّن” بدلا من مؤذن. وننطق الكلمات التالية ومثيلاتها بتشديد الياء المبدلة عن همزة رسمت على الياء : “مِيَّهْ” بدلا من مائة، و “فَيَّهْ” بعد بفتح الفاء بدلا من فِئَة، و”رِيَّه” بدلا من رئة.
ج-حرف الهمزة في آخر الكلمة يهمل غالبا مثل ، فإن كان ما قبلها مد أهملت هي والمد الذي قبلها وتنتهي الكلمة من دونها ومن دون المد. مثل ذلك: السماء تنطق في لهجة البيظان : “السّْمَ” ، والماء ينطق: “الْمَ”، والخلاء “لِخْلَ” والبلاء “لِبْلَ”
وإن سمعتها تنطق في كلمة فاعلم أنها من العربية الفصحى الداخلة حديثا فيها مثل : الإملاء والشراء .
د- قد تستخدم همزة القطع مع الكلمة العربية وتلبس هذه الكلمة لبوس الصنهاجية فيستحيل بعد ذلك دخول الألف واللام عليها، ويمثل لذلك ب ” أَمِسْواك” و “أَرَايْ”.
وباب الهمزة في لهجة البيظان باب واسع وليس المجال مجال البسط.
■- أما تأثر لهجة البيضان باللهجات السودانية (الإفريقية) المحلية يتمثل أساسا -كما قال الأستاذ عمر ولد سيد محمد الصنهاجي- في تغيير معنى الكلمة الواحدة بترقيق أو تفخيم أو تغليظ حرف منها بعينه، ولا يخلو حرف من لهجة البيظان من الترقيق والتفخيم وبالتالي تغيير معنى الكلمة الواحدة بسبب ذلك. حتى ولو كان الأمر في الصنهاجية واردا غير أنه في اللهجات الإفريقية المحلية أوسع بكثير، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
1- الميم في لجة البيضان ميمان، الفصيحة والميم المغلظة أو المفخمة كالميم الفارسية، واستخدام كل واحدة منهما يغير المعنى في نفس الكلمة ومثال ذلك: “لِحْمَارْ” بتفخيم الميم والراء تباعا تعني الحمار صاحب صوت المنكر والمعروف ،وأما لو تركنا الميم فصيحة ورققنا الراء لكان المعنى المحاكاة أو التمثيل.
2- اللام في لهجة البيظان لامان: المرققة والمغلظة وكل منهما تغير معنى الكلمة الواحدة. ومثل ذلك كلمة “الگلبَ”: بقاف معقودة مرققة ولام مرققة تعني قلب الشيء رأسا على عقب. وأما بقاف معقودة مفخمة وبلام مغلطة فتعني القلب الذي هو في الصدر وتعني كذلك الَأكَمَة.
3- الراء في لهجة البيظان راءان: المرققة والمغلطة وكل منهما تغير معنى الكلمة الواحدة مثال ذلك: “كرْكَرْ” بالراء مغلظة تعني إحداث صوت وبالمرققة تعني قهقه في ضحكه. كلت البلحة المِرَّه گبّْظِتْنِي المِرَّه، المرة الأولى بمعنى المرة طعما والثانية تعني الحساسية.
ولا يستبعد أن تكون لهجة البيظان قد ورثت هذه الموسيقى من لغة إزيري التي كانت الرائجة بين صنهاجة والسوننكي كلغة تجارة وتعامل بين اللغتين لأكبر مجموعتين عرقيتين في المنطقة منذ آلاف السنين حيث راجت تجارة الملح بين صنهاجة والسودان الغربي من جهة وتجارة الذهب راجت بين أهل هذه المنطقة جميعا مع العوالم الخارجية من جهة أخرى، حتى أن الصين كانت تستورد الذهب من هذه المنطقة الغنية بالمعادن والمهمة في العالم.
■- ومما تتميز به لهجة البيضان، كلهجة عربية دون غيرها –
كما قال الأستاذ المبجل عمر ولد سيد محمد الصنهاجي- الأمور التالية:
1- نطق حرف الثاء قريبا من حرف الذال حتى عند تحدث أهلها بالفصحى.
2- نطق حرف الضاد الذي هو أيقونة اللغة العربية، نطقه ضادا صنهاجية عند تحدث أهلها بالفصحى كما ينطق القراء الأزهريون الضاد عند تلاوة القرآن، وأما الضاد الفصيحة مازالت العرب تنطقها في بعض أجزاء الجزيرة العربية وفي العراق وبعض البلاد العربية الأخرى.
3- إهمال حرف الفاء الفصحى التي يقابلها في اللاتينية حرف (F) واستبدالها بالفاء التي يقابلها في اللاتينية حرف (V) في أغلب الأحيان. والحرفان مستخدمان في لهجة البيضان وكل واحد منهما يغير معنى الكلمة الواحدة. مثل ذلك: “يِنْفرْ” بفاء فصيحة بين الكسرة والفتحة وراء مجزومة مغلظة وهي من نفرت الدابة ولدها أي أنكرته وتباعدت عنه. ولو قلنا “يِنْفِرْ” بالفاء الأخرى (V) مكسورة وبعدها راء مجزومة مرققة لأصبح المعنى (يتمخط)
4- الجيم بلهجة البيضان جيمان وفي الغالب الجيم الرخوة هي المستخدمة كما في باقي دول شمال إفريقيا وفي بلاد الشام كذلك، وقد تستخدم الجيم الشديدة المستخدمة في أرض الجزيرة. واستخدام أيٍّ من الجيمين في نفس الكلمة يغير المعنى. مثال ذلك “جَعْرَة” بالجيم الرخوة معناها الخجل وبالجيم الشديدة معناها خشونة في الطباع.
5- إبدال حرف بحرف آخر في بعض الكلمات التي أصلها عربي ومن ذلك على سبيل المثال:
أ- الجيم الرخوة تضغم في الزاي أو تبدل بها في بعض الكلمات مثل : “لِعْزُوزْ” العجوز، “اِلْحَزّْ” الحجز بين اثنين متصارعين، “اِلزَّزْ” جَزُّ الصوف، “مِزِّي”مُجزئ، “اِلسَّرْزْ” السرج.
ب- إبدال الثاء بالتاء في بعض الكلمات مثل : “يلهت” = يلهث.
7- التصغير في لهجة البيضان مستخدم بكثرة ولأغراض كثيرة جدا، والتصغير يتجاوز الاسم إلى الفعل والحرف. مثال: الدّاهْ يأكل عندكم، بلجهة البيضان الداه يَوْكَلْ عَندْكُم” وعند التصغير الكامل: “الدّْوَيْهْ يَوَيْكَلْ اعْنَيْدْكُمْ”
■ – ثم يقول الأستاذ عمر ولد سيد محمد الصنهاجي ومختصر في قواعد نحو الكلمات الواردة في لهجة البيضان من أصل صنهاجي تأتي على النحو التالي:
1- المذكر المفرد يبتدئ غالبا بهمزة قطع مفتوحة وقد تكون ممدودة أو مكسورة. مثال ذلك “أَفِگْرَاشْ” الشاب أو الشجاع ، “أَفِرْطَاصْ” حليق الرأس، “أَدَارِيفْ” الرَّكُوبُ، “أَغْجِلْ” الجحش، “أَجَفّْ” الإكاف. ومثال الكسر: “ئِرِيفِي” الرياح الساخنة “ئِگِنْدِي” مرض، “ئيگِّيوْ” المطرب.
2- المؤنث من الاسم إن كان موجودا يصاغ بإضافة تاء قبل الاسم المذكر وأخرى بعده بكل سهولة. وبالتالي يكون المؤنث من الأسماء السالفة الذكر على النحو التالي:
أفگراش = تافگراشت، أفرطاص = تافرطاصت، أداريف = تاداريفت، أغجل = تاغجليت،
إنه وإن كان معظم الأسماء المؤنثة تبدأ بتاء وتنتهي بأخرى فالقاعدة غير مضطردة فنقول مثلا “رِتْلَه” للعنكبوت.
3- جمع المذكر من الأسماء يأتي غالبا مسبوقا بهمزة قطع مكسورة مثل: “ئِدَارْفن جمع أَدَارِيفْ، أَدَرْگْ= ئِدرْگان، أغجل = ئغجلان، أجف = ئجفاتن، ئيگّيو = ئيگّاون. وقد يبتدئ جمع المذكر بهمزة مفتوحة مثل: أفگراش : أفگاريش، أفرطاص = أفراطيص، أرگاج = أرواگيج.
4- جمع المؤنث في الكلمات الواردة في لهجة من أصل صنهاجي من أصعب الجموع وبالذات إن لم يكن جمعا سالما لقلة تداوله ومن السالم منه على سبيل المثال: تيدينيت = تيدناتن، تافلويت = تيفلواتن، تيگِّيويت = تيگَّواتن، تافِكِّيتْ = تِيفكَّاتن ، تامجليت = تيمجلاتن، تاديت = تيداتن، تاغجليت = تيغجلاتن، تاسفره = تيسفرن، تاسدبيت = تيسدباتن، تاوكت = تيوكتن, وهكذا
5- برغم أنه لا مثنى في الصنهاجية إلا أننا في الهجة البيضان نثني الاسم من أصل صنهاجي فنقول : أرگاج = أرگاجٓين، أفوك = أفوكَين، تافكّيت = تافكّيتَيْن، أفرطاص = أفرطاصين، تيدنيت = تيدينيتين، الخ
■- ومن تأمل هذا التمازج الذي بيناه بعين الإنصاف علم أن لهجة البيضان مستقلة بذاتها لا هي تابعة للعربية ولا هي تابعة للصنهاجية ولا هي نفس (اللهجة الهلالية)
أي أن ذلك يجعلها لغة هجينة hybrid language أو لغة مختلطة mixed language أو لغة كريولية creole language أخذت الكثير من كلماتها ،وبعض قواعدها وتراكيبها ونظامها الصوتي من العربية والصنهاجية ثم أخذت تتطور كلهجة مستقلة عنهما.
وفي الأخير أقول جزى الله خيرا الأستاذ المبجل: عمر ولد سيد محمد الصنهاجي على جهده المميز والمقدر
■- وقد أرفقت لكم ديوان الشعر الشعبي للأديب الكبير: سدوم ولد انجرتو المولود عام:1710م والمتوفى:1812م ففيه مثال حي للهجة التي كنا نتحدث عنها..
لجميع المتابعين شكري وتقديري.
_________________________
د.السالم بن ديد عبود.
معظم هذه التدوينة مستفاد من مما كتبه الأستاذ: عمر ولد سيد محمد الصنهاجي وإن كنت حذفت وأضفت فله شكري وتقديري