بائعة الكسكس
إلى العظيمة أمي؛ أمي بائعة الكسكس، سلام على لابسات الملاحف لأنك منهن، أيتها الكعبة الأخرى، السلام على سوادك الذي أقدسه، المتناقض مع بياض قلبك، أنت الملجأ الذي لا فرار منه إلا إليه، و أشهد أن لا أما إلا أنت.
أمي التي جاءها المخاض تحت ظل المتاعب، أمي التي علمتني ماعجزت عنه مثقفات العالمين، أمي التي تعلمت من فلسفة الحياة أن البضاعة المعروضة رخيصة، لذلك كنت أراها شخصا آخر قاسيا حين يتعلق الأمر بفساد ما في شخصي
أمي بائعة الكسكس، لأنها لم ترض بيع مبادئها، أمي التي مارست كل المهن، أمي التي رفضت أن أرسم اي شخص، كانت تريد أن أنحت ما أحس به على شكل نص
المرأة التي كنت أبصرها تكبر في داخلي بعد كل موقف، وحين أمسكتها بجرم الكبرياء في ليلة صيف ماضية أدركت حينها أن التورط بحب امرأة حنونة نجاة
أمي التي علمتني أن أبتسم حين يبلغ الألم محله، وأن أرقص على جراحي كفراشة لا تحمل هما، وأن أضحك ملء شدقي لكل الذين تربصوا بي وأسعدهم دمعي.
أمي التي أخبرتني وأنا في عز معركة البكالوريا أن ثمة أيادي لو سقطت ستدفعني نحو القاع أكثر
.
أمي العظيمة جدا، التي رغم ظروفها الصعبة، لم تسمح لي بالسقوط في مستنقع الجهل وكانت بردا يحول بيني وبين نار النظرة الدونية، ولم تسمح للحياة بصفعي كما فعلت معها، كل خيباتها حولتها إلى نجاحات لصغارها
ولأنني لا أنسى الأيام التي بكت فيها أمي أردت دائما أن أكون لها منديلا، ووعدتها في ليلة شتاء ماضية أن أكون عند حسن ظنها رغم الطعنات والخناجر
أمي التي اتهموها بالكثير من الأقاويل وما سقطت في وحل اتهامهم، كانت شامخه كنخل تكانت، بعنق طويل وكبرياء يحطم كل الصعاب
المرأة التي علمتني أن الدمع قوة، وأن الرقة أنوثة، وأن العائلة أولا، أمي التي أرادتني مثيرة للشغف للجنون لكل شيء سوى الشفقة.
أمي التي سخر صويحباتي من خوفي الشديد منها، وكيف يخاف المرء من طمأنينته وملاذه الآمن؟
أمي التي ربطتني بها صلة القلب المتعلق قبل الدم الذي يجري في عروقي
المرأة التي لا اؤمن بأمومة امرأة سواها، وأشهد أن لا امرأة قبلك أتقنت دور الأمومة بكل التناقض بين القسوة والرقة.
في الفترة الأخيرة جعلت أمي مني طوق نجاة ، كلما حدث مشكل أو عائق في البيت نادت باسمي، وهذه الثقة تجعلني أمام تحديات كثيرة منها أن لا أخذلها ما حييت
ولأن الاعترافات الصباحية صادقة، أردت الكتابة حبا.
عيد الأم.