مركز بابل للدراسات المستقبلية
تحول الفساد في ليبيا إلى نمط سياسي واجتماعي تتخذه الحكومات المتعاقبة على العاصمة الليبية طرابلس، في البلد المعتمد على اقتصاد الريع، والذي تحولت السلطة فيه إلى مؤسسات أسرية وفئوية لا تهدف إلا إلى تقاسم إيرادات النفط والغاز والتلاعب بالمال العام بشكل غير مسبوق في البلاد، بل إن حتى المبادرات الأممية تحولت إلى أطر مفتوحة لممارسة الفساد كما حدث في مؤتمر الحوار السياسي الذي أفرز حكومة الوحدة الحالية بعد توافقات جرى التوصل إليها من خلال مساومات وصفقات اعترفت بها بعثة الأمم المتحدة سواء في اجتماع تونس في نوفمبر 2020 أو في اجتماع جنيف في فبراير 2021.
وفي قرار مريب ليس له ما يفسره اقتصاديًا، تداولت منصات إعلامية قرار رئيس حكومة الوحدة المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، بنقل تبعية مصلحة الجمارك الليبية إلى رئاسة الوزراء مطلع شهر فبراير الماضي، ونص القرار، على نقل تبعية مصلحة الجمارك من وزارة المالية الى ديوان رئاسة الوزراء التابع له، بما يثير الأسئلة حول إيرادات المصلحة وهيئاتها.
حيث وجد المراقبون بأن مسألة نقل تبعية مصلحة الجمارك هدفها الرئيسي التحكم النافذ بالمصلحة وتسيير عمليات تهريب الذهب دون إثارة الشبهات، الأمر الذي شهده أكثر من مرة مطار مصراتة في الشهور القليلة الماضية.
يأتي هذا في ظل انتشار تسريبات من داخل رئاسة الوزراء في طرابلس مفادها اتفاق رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة مع رئيس المجلس السيادي في السودان، عبد الفتاح البرهان، لتهريب كميات ضخمة من الذهب من مناطق سيطرة الجيش السوداني عبر ليبيا والمنافذ البحرية والجوية التي تخضع لسيطرة حكومة الدبيبة.
وبحسب التسريبات، يضمن الدبيبة العبور الآمن للذهب السوداني، عبر الأراضي الليبية دون تدخلات من مصلحة الجمارك، وتهريبها نحو أوروبا وأمريكا، بينما يحظى من جانبه الدبيبة بدعم سياسي من الدول الغربية للبقاء في السلطة ومواجهة محاولات إقصائه من جهة، وتمويل مستمر من خلال سيطرته على مصلحة الجمارك وعلى الواردات والصادرات في كل انحاء البلاد بجانب إيرادات النفط والغاز من جهة أخرى.
وبهذا الصدد يُشار إلى تحقيق استقصائي أجرته منظمة «ذا سنتري» في نوفمبر 2023، إلى أن السوق السوداء في ليبيا عملت كمنصة غير رسمية لتجارة الذهب. ومنذ العام 2014، جرى استخدام ليبيا كنقطة للعبور للذهب غير المشروع إلى دول أوروبية ومنها إلى الولايات المتحدة الامريكية، تحت مرأى ومسمع السلطات في طرابلس.
وحدد التقرير نقاط العبور الرئيسية التي تستخدم في صادرات الذهب غير المشروعة من ليبيا المتمثلة بميناء ومطارات منطقة مصراتة. ويأتي الذهب بشكل رئيسي من العديد من الدول وعلى رأسها السودان.
كما تجدر الإشارة إلى أن ديوان المحاسبة في طرابلس كشف أن رئيس «حكومة الوحدة الوطنية» الموقتة عبدالحميد الدبيبة وافق على شراء سيارات للوزراء ووكلاء الوزارات وديوان رئاسة الوزراء بـ40.5 مليون دينار خلال العام 2022. كما رصد موافقته على تمليك 27 سيارة حديثة لوزراء حكومته عقب شرائها مباشرة بالمخالفة للتشريعات والقوانين التي تنظم شراء واستعمال السيارات المملوكة للدولة. وأشار الديون إلى تغطية شراء السيارات من «مخصصات التنمية» في الباب الثالث، والمُرحَّلة من السنة المالية 2021 بشكل مخالف للقانون، ناهيك عن العديد من المخالفات الأخرى عام 2023، منها عجز مالي قدر بـ11 مليار دولار.
ويحتل السودان المركز الثالث عشر عالميا والثالث أفريقيا في إنتاج الذهب، حيث ينتج نحو 80 طنا فيما تقدر الاحتياطيات غير المستغلة بنحو 1550 طنا .