هل يعيد التاريخ نفسه في 2024، مع تكرار مواجهة دونالد ترامب مرة أخرى لجو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية، فيما تشير التوقعات إلى انعكاس على الاقتصاد العالمي؟
من المؤكد أن المنافسة بين الخصمين بايدن وترامب ستكون فريدة في التاريخ الحديث، باعتبارها مباراة العودة بين الرئيس الحالي وسلفه، فوجود رئيسين “حال” و”سابق” يتنافسان في الانتخابات يغيّر طبيعة السباق. لكن يبقى السؤال: من الذي يملك أوراق اللعبة اقتصادياً في الانتخابات المقبلة؟
الانتخابات تأتي في ظل أجواء غير عادية على كل الأصعدة، ولعل الاقتصاد الملف الأبرز، في ظل أزمات متعددة تحاصر الاقتصاد الأكبر في العالم من حيث القيمة.
فالتضخم مستعر، وأسعار الفائدة تحوّم حول أعلى مستوياتها في 22 عاماً، فضلاً عن تراكم الديون والخلافات العميقة داخل أروقة الكونغرس بشأن الإنفاق الحكومي، ما يجعل الخوف من الوضع الاقتصادي محركاً رئيسياً لمسار الانتخابات، نظراً لتأثير الأوضاع الاقتصادية مباشرة في الحياة اليومية للمواطن الأميركي.
تتزايد المخاوف في أميركا جراء تعثر الاقتصاد العالمي، وتنامي تحديات جائحة كورونا، والحرب الروسية في أوكرانيا، والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فضلاً عن التوترات الجيوسياسية التي تشارك فيها الإدارة الأميركية كلاعب رئيسي.
صندوق النقد: اتساع الصراع في الشرق الأوسط يضرّ بالاقتصاد العالمي
وثمة انقسام واضح داخل المجتمع الأميركي بين المرشحين الرئيسيين للانتخابات الرئاسية الأميركية. فبالنسبة لأولئك الذين يقولون إن سياسات ترامب جعلت حياتهم أفضل وأكثر أماناً، وجعلت الاقتصاد والمجتمع أفضل، يبدو الأمر محسوماً.
فلدى حملة ترامب كل الدوافع لمواصلة الهجوم على بايدن، ومن أسباب ذلك صرف الانتباه عن نقاط ضعفه، ومنها مشاكله القانونية وخطابه المثير للخلاف ومحاولاته لتقويض نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2020، والتي ساهمت في الهجوم على مقر الكونغرس الأميركي في يناير/كانون الثاني 2021.
لكن لدى بايدن، أيضاً، نقاط ضعف رئيسية، فهو يكافح من أجل الترويج لإنجازاته في فترة ولايته الأولى، ويحاول إقناع الجمهور بأن لديه القدرة على مواصلة الحملة الانتخابية والحكم لولاية ثانية. وبالفعل، خلال هذا السباق الرئاسي، يصوّر بايدن سلفه ترامب على أنه خارج عن السيطرة، ويشكل تهديداً لأميركا وللديمقراطية نفسها.
ولا تزال معدلات تأييد بايدن الضعيفة في منطقة خطرة بالنسبة لرئيس حال يدخل عام الانتخابات. ومع ذلك، فإن التصورات العامة عن ترامب سلبية أيضاً.
وتُعد الانتخابات المقبلة من أبرز المنعطفات المهمة للاقتصاد العالمي هذا العام، خاصةً في حالة فوز المرشح الجمهوري ترامب الذي يُتوقع أن تأتي معه تغييرات كبيرة في السياسات الاقتصادية للولايات المتحدة، والتي قد تؤثر في مسار الاقتصاد العالمي.
موقف
البحر الأحمر يعمق أزمات الاقتصاد العالمي
وفي حالة فوز ترامب بكرسيّ الرئاسة، ستكون إدارته للأسواق والاقتصاد الأميركي مختلفةً. فعلى سبيل المثال، سوف تصبح سياسات الحماية الجمركية التي تنتهجها الولايات المتحدة أكثر تشدداً، وهو ما ظهر من خلال فرض تعرفة جمركية بنسبة 10% على جميع واردات الولايات المتحدة، صعوداً من 2%.
وهذا الأمر من شأنه أن يشعل حروباً تجارية جديدة، ليس فقط مع المنافسين التقليديين مثل الصين، بل أيضاً مع حلفاء أميركا في أوروبا وآسيا، مثل اليابان وكوريا الجنوبية. وهذه الحرب التجارية العالمية من المتوقع أن تؤثر في النمو الاقتصادي، وتزيد من معدلات التضخم بعدما بدأت الهدوء هذا العام.
كما أن فوز ترامب قد يؤدي لاستبدال رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول، ما قد يعني العودة إلى سياسة رفع سعر الفائدة، وهو ما سيدخل الاقتصاد الأميركي في ركود ينعكس على الاقتصاد العالمي بالكامل، وسيعني بالتالي ارتفاع قيمة الدولار وتراجع الذهب، ومن ثم التأثير مباشرة بالخطط الاقتصادية حول العالم.
أيضاً، ثمة مخاوف أوروبية كثيرة من فوز ترامب في الانتخابات. ومن ذلك ما ذكره “المعهد الاقتصادي الألماني” (IW) في ورقة بحثية بالآونة الأخيرة، حيث أشار إلى أن فوز ترامب، إن حصل، سيكبد اقتصاد ألمانيا خسائر بقيمة 150 مليار يورو (162 مليار دولار) في غضون 4 أعوام، من خلال الرسوم الجمركية التي يخطط لفرضها على البضائع المستوردة، ما يعني انكماش الاقتصاد بنسبة 1.2% على الأقل بحلول عام 2028.
ومن المتوقع أن يكون تأثير فوز ترامب على أوروبا، خاصة على الدول المصدرة، أكثر شدة بكثير، في وقت تعاني بالفعل هذه البلدان من ارتفاع أسعار الطاقة، ونقص العمالة الماهرة.
الاقتصاد الأميركي لن يشهد هبوطاً ناعماً: ركود متوقع منتصف 2024
ويمكن رصد نقطة ضعف إضافية في سجل الرئيس الحالي للولايات المتحدة، وهي العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة.
فعلى الرغم من أن تأثير التوترات الجيوسياسية الحالية ما زال محدوداً على النشاط الاقتصادي العالمي حتى الآن، مع حدوث تحسينات واسعة النطاق في الأداء الاقتصادي عبر الصناعات والمناطق، فإن المخاطر محدقة في بؤر مختلفة من العالم، نتيجة العدوان على غزة، وفي مقدمتها ردة الفعل اليمنية التي، إن استمرت على وضعها الحالي، ستصيب بكل تأكيد سلاسل التوريد بالشلل.
فقد أثرت اضطرابات الشرق الأوسط على الشحن، لكن ليس إلى حد قريب من تأثير وباء كورونا. فسلاسل التوريد ومواعيد التسليم طبيعية إلى حد كبير حالياً، رغم ما تركته هجمات الحوثي من تأثير مباشر على صادرات البترول والغاز بالدرجة الأولى.
أخيراً، عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد، فإن الأميركيين يميلون إلى التصويت حسب ما يوجد في حافظات نقودهم في الانتخابات، إذ يصوتون للحزب الحاكم في الأوقات الجيدة وللمعارضة في الأوقات العصيبة.
وأحد العوامل التي تجعل من الصعب التنبؤ بنتائج الانتخابات هو أن المؤشرات الاقتصادية لعام 2024 إيجابية بشكل عام.
16 بنداً في خطة بايدن لإنعاش الاقتصاد الأميركي… تعرّف إليها
فالاقتصاد ينمو بمعدل ثابت، فيما البطالة تنخفض وتقترب من مستويات قياسية، وتسجل سوق الأسهم مستويات قياسية. لكن مع ذلك، لا يزال الناخبون الأميركيون ينظرون إلى وضعهم الاقتصادي على أنه قاتم.
ومن الممكن أن تُعزى بعض أسباب ذلك إلى سنوات عديدة من التضخم المرتفع، واستمرار ارتفاع تكاليف الإسكان في أجزاء كثيرة من الولايات المتحدة، ما أدى إلى انخفاض مبيعات المنازل في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوياتها منذ نحو 30 عاماً.
.