ولد الفيلسوف والروائي موسى ولد إبنو ببوتليميت بموريتانيا عام 1956، وحصل على الدكتوراه من جامعة السوربون بباريس، وعمل أستاذا للفلسفة بجامعة نواكشوط بموريتانيا. كما عين مستشارا برئاسة الجمهورية لأكثر من 15 عاماً، وأدار العديد من الشركات الحكومية، كما حصل على الإجازة في الصحافة من المدرسة العليا للصحافة بباريس عام 1980، وعمل صحفيا في مجلة Jeune Afrique بباريس عام 1983، وأصبح مديرا للوكالة الموريتانية للأنباء والشركة الموريتانية للطباعة والنشر (1987 – 1988).
من أبرز أعماله الروائية: مدينة الرياح، دار الآداب، بيروت، 1996، و»الحب المستحيل»، دار الآداب، بيروت، 1999، و»حج الفجار»، دار الآداب، بيروت، 2005، ومن أبرز مؤلفاته باللغة العربية أيضا: «موسوعة التراث الشفهي الموريتاني (ج 1 حكايات الحيوان،ج 2 حكايات الإنسان، ج 3 الأمثال والحكم)».
انشغالاته الأدبية والثقافية، وسعيه إلى بناء عالم إبداعي خاص به، دفعنا إلى إجراء حوار معه، تزامنا مع التكريم الذي ناله من طرف الشارقة، إمارة العلوم والثقافة، وبمبادرة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، والأب الروحي للمثقفين العرب.
* ما العوامل التي أسهمت في تكوينك الأدبي؟ وبالمناسبة ما هي أبرز الأعمال الأدبية والروائية التي نالت اهتمامك في مسارك الإبداعي؟
– أنا أستاذ فلسفة، أحمل دكتوراه من جامعة السوربون. تكويني الفلسفي هو الذي أسهم في تكويني الأدبي. ومن أبرز الأعمال الأدبية التي نالت اهتمامي: “محاورات أفلاطون”، “قصة سلامان و أبسال” لابن سينا، رواية “حي بن يقظان” لابن طفيل. يقول ألبير كامو في كتابه أسطورة سيزيف “الروائيون العظماء فلاسفة عظماء”.
* هل اهتمامك بالسرد وفنونه هو ما دفعك إلى كتابة الرواية، أم أن هناك عوامل أخرى دفعتك إلى ذلك؟
– اهتمامي بالسرد وفنونه مثل اهتمام أفلاطون بالتراجيديا في كتابة محاوراته. فالرواية ديوان العصر، ونحن الفلاسفة صرنا نوظفها للتعبير عن أفكارنا.
* أنت من بلد مليون شاعر، فلماذا وقع اختيارك على كتابة الرواية وليس الشعر؟
– إن كل موريتاني يستطيع أن يكون شاعراً إذا أراد، لكن الرواية عوضت عن الشعر وضجيجه وخطابيته الجهيرة وغدت اليوم الفن العصري الأول. فهي الأقدر على تصوير معاناة المجتمعات الحديثة، والأصدق في التعبير عن آلامها وآمالها.
* أعتقد أن الشعر رافد من روافد أعمالك الروائية أليس كذلك؟
– نعم، الشعر الجاهلي في “حج الفِجار”.
* اشتغالك بقضايا الفلسفة والعمل السياسي لم يمنعانك من الإبداع في العمل الروائي، فما الداعي إلى هذا الانتقال؟ ألم تجد صعوبة في ذلك؟
– ليس انتقالا. أكتب رواية الخيال العلمي، وهي دائما سياسية وفلسفية. أكتب الخيال العلمي لأنني لست سعيدًا بهذا العالم. وكما قال فيليب ديك Philip Dick، «إذا لم تكن سعيدًا بهذا العالم، فابحث عن عالم آخر». تمثل كتابتي الخيالية أيضًا جزءًا من مشروع فلسفي أكبر يهدف إلى بناء فلسفة ما بعد ميتافيزيقية.
* حضور المتخيل في أعمالك الروائية أمر محقق، وهذا مهم كما هو معلوم لكن ما نسبة حضوره في إبداعاتك؟
– الخيال عنصر أساسي في العمل الروائي. الرواية عمل تخيلي يمثل الواقع تمثيلا فنيا ويتمحور حول موضوع معين. تتيح لي الرواية مساحة أكبر لاستعمال خيالي.
* نشرت روايتك الأولى «الحب المستحيل» بباريس سنة 1990، وهي رواية خيال علمي إفريقي كما قدمها الناشر، حدثنا عن أهم ما جاء فيها؟ وهل يمكن اعتبار هذا المنحى من داخل الرواية العربية جديدا؟
– تروي «الحب المستحيل» قصة حب آدم ومانيكي في مستقبل بائس، حيث انقسم العالم إلى مجتمعين، ذكور وإناث، وتم فرض الفصل بين الجنسين بوحشية. ينتقل السرد بين عالمي آدم ومانيكي المنفصلين، إذ يتوق كل منهما إلى حضور الآخر. ستجد حوارًا موسعًا، ووصفًا بارعًا، ونصيبًا عادلًا من الإثارة والتشويق، والحزن العميق… مثلت رواية «الحب المستحيل» منحى جديدا داخل الرواية العربية يرتكز على التراث في كتابة الخيال العلمي.
فالقصص القرآني والأساطير والنصوص التراثية المؤسِّسة، سواء كانت عالمية أو شعبية، لا تقص علينا حكايات من الماضي بقدر ما تنبئنا عن خبايا مستقبلنا. وهذا هو مرتكز توظيف التراث في رواية الخيال العلمي. رواية «الحب المستحيل» هي استلهام للخطيئة الآدميَّة على أنها أمر سيحدث في المستقبل بطرد بني آدم من الكوكب الأرضي، الذي يكون قد دمّره مجتمع التقانة. كما أنها أيضا تَدَبّر للأمانة في سورة الأحزاب.
إنَّ نقض الميثاق الأزلي الذي ورد في هذه السورة ينبئ عن جهالات وزلات مجتمع التقانة الواقعة في الحاضر والتي ستتفاقم في المستقبل. والرواية هي أيضا تأويل لقصة آدم وحواء التي، وإن كانت قد خرجت من ضلعه لتوقعه في الخطيئة، إلّا أنها تمثل أيضا مآله، بما أحدثه مجتمع التقانة من تخنيث للجنس البشري وهدم للأسس الطبيعية لعلاقات الجنسين من تكاثر وتكافل، وبتحويله الرجال نساء، والنساء رجالا، واستنساخه
البشر.
وهذا القدر مطروق في الحب المستحيل، وقد قاد البطل، آدم، في نهاية الرواية، إلى تغيير جنسه للحاق بمحبوبته، إذ قرر أن يتحول إلى امرأة، فأصبح حواء. تستلهم أيضا رواية الحب المستحيل نصا تراثيا عالميا آخر، هو أسطورة المأدبة لأفلاطون وتوظفه في الخيال العلمي لتصف مجتمعا مستقبليا نزل به العقاب الإلهي نفسه الذي سبق وأن نزل بالجنس الأندروجين (Androgyne).
* في روايتك المثيرة للجدل «حج الفجار» دار الآداب، 2005، سعيت إلى الرجوع لفترة الجاهلية، فقمت بإعادة كتابة الماضي بروح إبداعية سردية، فكيف نسجت خيوط هذه الرواية من حيث الجمع بين ما هو واقعي ومتخيل؟
– تسير الرواية على منوال المعلقة، فتبدأ في عكاظ لتكتمل في مكة. إن حضور المعلقة الجاهلية كبير في حج الفِجار وهو عميق وشامل، يتجاوز حد التأثر إلى النقل والاقتباس، وامتدَّ من البنية الروائية إلى الجو العام والقيم والشخوص والأساطير والرموز. وهذا يدلنا على صلاحية الشعر الجاهلي لتغذية الفن الروائي الحديث، بالرغم من اختلاف الأشكال. فبهذا النقل للشعر الجاهلي إلى إطار الرواية حاولت «حج الفِجار» إعادة كتابة هذا الشعر وأشكال أخرى من أدب العصر الجاهلي، موظفة بذلك فنيات التناص في أقصى حدودها.
* حدثنا عن أهم خصائص مؤلفك «موسوعة التراث الشفهي الموريتاني» بأجزائها الثلاثة.
– أ. يحتوي الجزء الأول من هذه المجموعة، «حكايات الحيوان»، على 236 حكاية، تم تدوينها في نسختها الأصلية بالحسانية (اللهجة الموريتانية) وفصحت، أي أعيدت كتابتها باللغة العربية الفصحى الحديثة، قبل ترجمتها إلى الفرنسية.
ب. يحتوي الجزء الثاني من المجموعة، «حكايات الإنسان»، على 157 حكاية، دوّنت في نسختها الأصلية بالحَسّانية ثم تم تفصيحها، قبل ترجمتها إلى الفرنسية. يعبّر هذا الجزء عن أحلام الإنسان الموريتاني التي بدأت تكون مخياله منذ العصور البعيدة، عندما بدأ يسأل نفسه عن أسرار هذا الكون ويسعى لمعرفة قواه الخارقة التي تتحكم في الحياة والموت. تحتوي هذه الحكايات العجائبيَّة على عناصر خارقة للطبيعة وتفرز المكان والزمان والشخصيات الخاصة بها. بعيدًا عن كون هذه الحكايات علامة على السذاجة الشعبية، فهي تشهد على حنكة كبيرة. المجموعة غنية ومتنوّعة، وتعطي صورة كاملة للتراث الأسطوري الشعبي الموريتاني.
ت. يحتوي الجزء الثالث من المجموعة «الأمثال والحكم» على 2754 مثلا أو حكمة أو قولا مأثورا، دوّنت في نسخها الأصلية بالحَسّانية ثم تم تفصيحها قبل ترجمتها إلى الفرنسية. تعكس هذه الأمثال حياة المجتمع الموريتاني بمختلف جوانبها. تخبرنا عن ثقافة هذا المجتمع ومعتقداته التي تشكلت عبر القرون وارتبطت بقيمه. إنها تعبر عن تقاليد المجتمع الموريتاني وعن الأجيال وصراعاتهم، عن مشاعر الأفراد، رجالا ونساء، وطموحاتهم. تعبر الأمثال والحكم عن هذه الموضوعات المختلفة بأسلوب موجز ولغة نقية وتمثيل جمالي دقيق، مما يسمح للأدباء، الكلاسيكيين والشعبيين، بالاستفادة من هذا المصدر الذي لا ينضب.
* حدثنا عن أعمالك الأدبية والثقافية التي ينتظرها القارئ؟.
– روايتي الجديدة حج 2053، رحلة منير أويو ستصدر قريبا إن شاء الله. من ثيماتها: وكالة أميركية للحج والعمرة تعرض حزمة من الخدمات تشمل جميع نواحي الإعداد الجسدي والروحي الضرورية لأداء فريضة الحج وتدرّب الحجاج على أداء مناسك الحج في حرم افتراضي. تتوفر الوكالة على آخر تقنيات زرع العيون الإلكترونية الضرورية للتغذية على ضوء الشمس، وتحول الحاج من التغذية العادية إلى التغذية بالضوء، لكي يقضي كامل فترة حجه وهو على وضوء، من دون أن يتغوّط أو يبول أو يُحدث. كما تؤمّن تحفيظ القرآن والسيرة النبوية ومناسك الحج حسب المذهبين الشيعي والسني، وأمهات كتب اللغة العربية وقواميسها، عن طريق برنامج واحد يتم تحميله مباشرة في الدماغ، وتوفر الجواري
للتمتع
المصدر :موقع جريدة الصباح
حاوره: هشام أزكيض
تاريخ النشر : 2022/04/06