تحت هذا العنوان، ألف المدير السابق لشركة “ساميا” السيد محمد المصطفى ولد اعليّ كتابا باللغة الإنجليزية يهتم فيه بمعدن الجبس من منظور التركيبة الكيميائية والاحتياطات العالمية المؤكدة وتقنيات التحويل والاستخدامات المختلفة وطرق التصدير وأهم المستهلكين، مختتما نصه بالتجربة الموريتانية في هذا المجال.
يتشكل جزيء الجبس من عنصر من الكالسيوم وعنصر من الكبريت وأربعة عناصر من الاوكسيجين وجزيئين من الماء ؛ وبإلقاء نظرة سريعة على خريطة الاحتياطات، يتضح جليا أن هناك لاعبين رئيسيين بعضهم يستهلك ما ينتج كالصين(أكبر منتج عالمي لهذا المعدن) مثلا وبعضهم يتقاسم الأسواق العالمية الرئيسية.
فعلى سبيل المثال، تستأثر دولة عمان الشقيقة، أكبر مصدر عالمي وثامن منتج، بأسواق الجبس في الهند وشرق إفريقيا، وتهيمن إسبانيا، سابع منتج وثالث مصدر خلف تايلاندا، على الأسواق في غرب إفريقيا وآمريكا اللاتينية وتغطي كاندا جل الاحتياجات الإضافية للعملاق الاقتصادي الأمريكي -الذي هو ثاني أكبر منتج- من هذا المعدن الاستراتيجي.
يشرح الكاتب بشيء من التفصيل مختلف التقنيات لتحويل خامات الجبس إلى منتوجات صناعية قابلة للاستعمال في مجالات صناعة الاسمنت التي تستهلك حوالي ٦٠٪ من مجمل الإنتاج العالمي من الجبس، والبناء والزخرفة الداخلية للبنايات (٣٣٪) والزراعة (٦٪) على شكل أسمدة ومواد مساعدة على تعديل ملوحة التربة وقلويتها وتنديف الطينية منها وإعادة تأهيل الأراضي الملوثة طبيعيا أو اصطناعيا.
وتدخل نسبة هامشية من مستخرجات معدن الجبس في صناعة الغذاء للبشر والماشية ومعالجة المياه وإنتاج البلاستيك والطلاء والورق والمبيدات الحشرية والدواء، وطب الأسنان.
تقع سبخة اندارهامشه على بعد خمسين كيلومترا شمال شرق نواكشوط ويبلغ معدل قطرها حوالي أربعين كيلومترا.
يؤكد الكاتب أن حوالي 4200 كيلومتر مربع من مساحة هذه السبخة تقع تحت مستوى سطح البحر، ما بين 0متر و-4 أمتار ؛ وهي بالمناسبة أخفض نقطة على خريطة البلاد. وحسب المراجع التي أوردها الكاتب، فإن احتياطي الجبس في هذه السبخة ضخم جدا، حيث يقدر بحوالي 1,8 مليار طن سهلة الاستخراج وصافية بنسب استثنائية تتراوح ما بين 70% و 96%. يؤكد الكاتب أنه، رغم مرور أربعين سنة على بدء استغلال منجم سبخة اندارهامشه، إلا أن الكميات المستخرجة تقدر بحوالي 3% فقط من الاحتياطي الإجمالي لهذا المنجم.
بناء على تجربته الثرية، كمدير عام للشركة العربية للصناعات المعدنية (ساميا)، في استخراج معدن الجبس من هذه السبخة، يورد الكاتب مبادرات ناجحة لتصدير هذا المعدن إلى دول غرب إفريقيا(السينغال، غينيا، غانا،توگو، نيجيريا، الكونگو، الكاميرون) وآمريكا الجنوبية (باناما)، ملاحظا أنه لا توجد احتياطيات معروفة من هذا المعدن في الدول الإفريقية جنوب الصحراء، الشيء الذي يشكل فرصة اقتصادية حقيقية لموريتانيا في أسواق قريبة و واعدة.
يورد الكاتب تقييما حسب مسطرة التحليل SWOT الشائعة، والتي يتشكل اسمها من الأحرف الأولى من الكلمات الانجليزية : القوة، الضعف، الفرص، المخاطر؛ فيخلص إلى أن منجم الجبس في سبخة اندارهامشه يتوفر على مقومات تنافسية استثنائية، بالنظر إلى وجوده بالقرب من موانئ في المياه العميقة وسهولة استخراجه والكمية الضخمة للخامات وقرب الأسواق. في المقابل، ينبه الكاتب إلى أهمية التعامل الفعال مع الهشاشة اللوجستية والكابح البيروقراطي.
تعليق شخصي : بالنظر إلى أهمية الاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء، فإنه يجدر ببلادنا ترقية شعبة سمادية وتأهيلية للتربة على رجلين : فوسفات بوفال وجبس اندارهامشه ؛ فمن شأن هذه الشعبة أن تطور الإنتاج الفلاحي، خاصة في منطقة النهر، وتساعد على التصدي للتبعات البيئية التي قد تنجم عن الاستغلال الوشيك لمصادر الطاقة الأحفورية.أما بخصوص الاستغلال الأمثل لمناجم الجبس على وجه التحديد في بلادنا، فقد يكون مفيدا البحث عن شركاء إسبان نظرا لتجربة هذا البلد الرائدة والطويلة في تصدير هذا المعدن وللعلاقات التاريخية والجغرافية والاقتصادية والسياسية التي تربط بين موريتانيا وإسبانيا ؛ فمناجم اندارهامشه أقرب بكثير إلى الأسواق التقليدية الإسبانية (إفريقيا الغربية، آمريكا اللاتينية) من مناجم الجبس في شبه الجزيرة الإيبيرية، كما أن اليد العاملة والمسطرة الضريبية قد تكون أكثر تحفيزا في موريتانيا منه في إسبانيا، أما الطاقة فستكون لاشك أرخص في موريتانيا، خاصة بعد استغلال حقل باندا لإنتاج الكهرباء وأفق إنتاج الهيدروجين الأخصر .
كلمة أخيرة : يشكل محتوى هذا الكتاب نموذجا لوضوح الرؤية في مجال التسيير والقدرة على مواجهة الإكراهات الميدانية والوعي بتأسيس ذاكرة تسييرية لصالح الأجيال القادمة واستقطابا للمستثمرين. فشكرا لكم سيدي على نسخة كتابكم وتمنياتي لكم بدوام التوفيق والسداد. أهدي هذا النص المتواضع إلى أطر هذا البلد ومحبيه ك-“امديونه”، بمناسبة عيد الفطر المبارك…
———
إسلك أحمد إزيدبيه :أستاذ تعليم عالي من موريتانيا ،ووزير سابق.