لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إنا لله وإنا إليه راجعون
تبدو المعاني حائرة، والحروف شاردة، وقد زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وحق لها، فقد
مضى الشهم المسوّد والفخر، فدته نفوس لو يفتدى البدر
فإلى جنة (عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ)
على روحه الروح والريحان، ألهمنا الله الصبر والسلوان، وتعازين الخالصة للمكلومين برحيله وهم كُثْرٌ، فلكأنما قصده اليازجي حين قال:
هو الكريم الجواد ابن الجواد له ** بالفضل يشهد بدو الأرض والحضر
مضى إلى الله حيى الله طلعته ** بالمكرمات وحيى تربه المطر
و القائل:
عليكَ ابن فضل الله شقت جيوبها ** فضائل في طيّ البلاد لها نشر
وكانت بك الأوقات فجــراً ولا دجى ** فأمست دجى لما انقضيت ولا فجـر
فلا يبعدنك الله من مترحلٍ ** له العزَّةُ القعساء والسؤدد الدثـر
يودّ العدى لو بلغوا ما بلغته ** وكانَ لهم من عمرك العشر لا الشطر
ربط الله على قلوب المفجوعين بموته وما أكثرهم، وألهم ذويه الصبر والسلوان وكل العارفين ذويه، أجارنا الله في مصيبته وجعل البركة في عقبه إلى يوم الدين
**
ظاهرة التصحر الاجتماعي مفزعة حقا!
ولا شك أن فقد الرجل الأمة، سيد أحمد ولد اج داهية من الدواهي الجُلَّى، فرحيل أمثاله من العظماء مصيبة لأهل المعالي والمعاني كلهم، وثلمة كبرى في الاجتماع الإنساني في فضائنا، قبل أن تكون مصيبة مجتمع بعينه، لكن أمثال سيد أحمد وأضرابه من العظماء لا يموتون ولو رحلوا، فهم خالدون بلسان صدق في الاخرين، حتى ولو غابت ذواتهم، فستبقى مشاهدهم ماثلة من خلال معانيهم وخصالهم، وبما شيدوا من المجد وعمروا من الأرض، ونشروا في ربوعهم من الألفة والمحبة والسكينة والوقار، بل إن لوعة الفقد تحفيزٌ لمواصلة نهجهم وإنفاذ توجيهاتهم ووصاياهم ممن بقي في الدار وكلهم هُو، وهو قدوتهم، وما منهم إلا ولسان حاله مع القائل:
كم غاب غيرُكَ لم أَشعُرْ بغَيبتهِ … وأنتَ إن غبتَ لاحت لي سجاياكا
أراكَ ملْءَ جهاتِ الأرضِ منعكِساً … كأنمـــا هذه الدنيا مَراياكا
**
ألا فاصبروا واحتسبوا، ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون بالاحتساب والتجلد والمصابرة والصبر، فما لنا إلا القبول والرضى، ومد يد الضراعة إلى المولى عز وجل قائلين مع ابن كمال الدين (بتصرف يسير)
يَـا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ارْحَمْهُ إِنَّ لَهُ ** مِنَ الْيَقِينِ لَغَيْرَ الْوَاهِنِ الْوَاهِي
وَاجْعَل لَّنَا مِنْهُ رَبِّ فِي (أبنائه) خَلَفًا ** عَسَـــــاهُ يَحْظَى لَنَا مِنْهُ بِأَشْبَاهِ
بِجَاهِ مَنْ أَنَّ جِذْعٌ عِندَ فرقَتِهِ ** وَحَــنَّ تَحْنَانَ أُمِّ السَّقْبِ مِيـلَاهِ
عَلَيْهِ أَزْكَى صَـلَاةِ اللهِ دَائِمَةً..**.وَالْأَمْرُ مِن قَبْلُ أَوْ مِن بَعْدُ لِلهِ.
**
وقد فزع المعزون وحق لهم، لكن لله أكرم من أن ينزع البركة من ذلك الفضاء بل ستبقى وتزيد بإذن الله، امتدادا لمدرسة أصلها ثابت وفرعها في السماء تشدو دائما مع حاتم الطائي
إذا مات منا سيدٌ قام بعده ** نظيرٌ له، يُغني غَناه ويَخلُف
فيوم تولى سيد أحمد حمل أثقال تنوء بحملها الجبال لم يكن قد بلغ الحلم بعد، لكنه ابن القوم، تحمل جيناتهم السيادة والرياسة وفيهم خير كثير ما زال وسيبقى، ولن يكون رجال الحلة اليوم دون رجال الأمس بإذن الله، مهما عظم الخطب وادلهم فهذه الأشبال من تلك الأسود. (ومن يك لم ينجب أبوه وأمّه … فإنّ لنا الأمّ النجيبة والأب)
ألا لا خوف على مجتمع الرشيد، ولا خوف على من سعدوا بمجالسة ذلك الشيخ النبيل الهادئ الوقور، أحرى من تربوا في كنفه وشبوا في ربوع المعالي تلك، وشاب فيها بعضم، لله ما أخذ والحمد له على ما أبقى، وإن أسدل الليل ستاره في لحظة ما، فسيشرق الفجر دائما بإذن الله.
**
للفقيد خصال عديدة على الحصر وسجايا حميدة جعلها الله في ميزان حسناته وقد حظيت بلقاءات معه – تلقاه الله بما كان يلقاني به من لبشر- كان أولها في الكريسي قبل عقد ونيف وآخرها بانواكشوط، وما ازددت من تلك السوانح إلا تصديقا بما كنت اسمع من نبله وتواضعه وفضله عامله الله بما الله أهله، وبجله بما كان يلقاني به من البشر والتبجيل،
أعزي فيه الفضائل كلها، قبل أن أعزي فيه نفسي وإخوتي وأهلي، وكل المكلومين برحيله والمكلومات اللاتي تقول إحداهن تبكيه يوم الفاجعة وهي صادقة “الله يرحم الشيخ لقليظ اسليط لحنين، ال ما ايڴد بارؼيڴات الامور، ولا يعدلُ فارضُ “… رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، وأخلف عليه وأخلف فيه
وإنا لله وإنا إليه راجعون
سقاك وحيَّاك الحيا أيُّها القــــــــبر** وفاضت على مغناك أدمعه الغــــــــزر
وزارت ثراك الطهر سحبٌ وفية ** لدى المحل حتَّى يجمع الطهر والطهر
**
وليس بقفرٍ ما سكنت وإنَّمـا ** أرى كلّ مغنًى لست فيه هو القفر
مضيتَ غنيًّا عن سـواك موقراً ** وللدين والدُّنيا إليك إذاً فقـــر
كأنك لم تنفع ولياً ولم تضــــر ** عدوًّا ولم تحمدك في أزمةٍ سفـرُ
**
ألا إنَّها الأيام من شأنها الرِّضا ** إذا احْتكمت يوماً ومن شأنها الغدر
وما الناس إلاَّ راحلٌ إثر راحــلٍ ** إذا ما انْقضى عصرٌ بدا بعدهُ عصر
تبدَّت لدى البيدا مطايا قبورهم ** ليعلَم أهلُ العقل أنهم سفرُ
عجائب تعيي النَّاظرين وحكمةٌ ** ممنعةٌ قد زَلَّ من دونها الفكر
ابن نباتة المصري
تعازينا الخالصة إخوتي أخواتي؛ أفراد إسرتنا الكبيرة في مشارق الأرض ومغاربها