ما حدث في حزب التكتل كانت بدايته منذ فترة، وظهرتْ إرهاصاتُه قُبيلَ الانتخابات التشريعية الماضية، حيث غذّته ترشيحاتُ الحزب فعلاً، والتي أسندَ البتُ فيها لعضو المكتب التنفيذي، عبد الله ولد محمد فال (أحد رجالات الرئيس أحمد) ورأى البعض فيها مُجانبة للنصوص، ولموازين القوي..
لم يتلاشَ التكتل، كما يتوهّم البعض، ولكن كان من نتائج ترشيحاته تلك، حسب المناوئين لها، تصويت قواعدهم لمرشحين من أحزاب أخرى، خلعوا للتو عباءة الحزب ( النائب Elid Mohameden Mbareck، والنائب Mouna Deye) وآخرون..
بعضُ قواعد الحزب نسّقتْ في تلك الانتخابات مع القيادي السابق في التكتل محمد محمود ولد أمات، وتضررت لوائح التكتل في نواذيبو من هذا التنسيق فعلاً..
ومنهم من صوت لمرشحين في الموالاة وفي المعارضة (في توجونين مثلاً انقسموا بين مرشحهم ومرشح حزب تواصل النائب إسلكو ابهاه).
امتص التكتل هزّة الانتخابات، خاصةً أن كل قياداته التاريخية لا تمانع في التقارب مع الرئيس محمد ولد الغزواني، ودار الجدلُ لاحقاً حول الخطوة الفعلية الأولى في هذا التقارب، المتمثلة في “الميثاق الجمهوري”..
يتفقون جميعاً من حيث المبدأ على أهمية الميثاق في تعزيز المسار الديمقراطي، وعلى كونه إقراراً من الحكومة بأهمية حزبهم، وبتقدير دور زعيمهم في الساحة السياسية، (لا ننسى أن أحمد ولد داداه فرض نظام ولد الطايع في انتخابات 24 يناير 1992 على تزوير فاحش في الرئاسيات تفادياً للهزيمة) وخاض الدور الثاني في رئاسيات المرحلة الانتقالية، وكان قاب قوسين أو أدنى من الوصول للسلطة..
إذا، لم يكن الخلاف على توقيع الميثاق الجمهوري، فالجناح الذي يقوده محمد عبد الله ولد أتفغ والنانه منت شيخنا، متفق مع جناح الإمام أحمد ولد محمدو ويعقوب جالو، لكن الجناحين يختلفان على آليه الشراكة مع النظام..
وحين قرب توقيع الميثاق الجمهوري حدث شرخ في جناح الامام أحمد، ليصل بعد ذلك حد القطيعة بين قيادات بارزة في الحزب.
يتخندق الإمام احمد مع القادة جابيرا اسسكو، ويرب ولد أحمد صالح، ومريم منت صمبه فال، وإبراهيم ولد ابيهي، وسيدي محمد ولد إسماعيل ويعقوب جالو وآخرون..هذا بالإضافة إلى النائب السابق عبد الرحمن ولد ميني (قرر الاستقالة من الحزب اليوم).
في الطرف الآخر القادة: محمد عبد الله ولد اتفغ، والنانه منت شيخنا، ومحمذن باب ولد حمدي وشيخاني ولد اسنيد أمو، والمختار ولد الشيخ، ومريم منت بلال وآخرون..
ينقسم الشباب على الجناحين طبعاً (باب ولد إبراهيم، سليمان ولد لجوري، محمذن ولد بلال، الشيخ سيد أحمد ولد حيده) ومن الموضوعية بمكان أن نذكر أن أغلبية قيادة الحزب تدعم الجناح الراغب في عقد مؤتمر استثنائي للحزب.
حاول الرئيس أحمد، وهو الذي ترك مسافة بينه وجناحيْ الصراع، أن يضبط إيقاع الخلاف، لكن الوعكة الصحية التي ألمت به في الأشهر الماضية حالت دون ذلك، ودفعته إلى تأكيد اسناد مهمة تسيير الحزب للأستاذ يعقوب جالو، رجل ولد داداه الوفي.
أخذ يعقوب التسيير، في أوج الصراع، وحاول التعامل مع الأمر بحكمته المعهودة ، لكن يبدو أن أحد الأطراف لا يريد أي حل وسط، ووصل الأمر حدّ مقايضة الاعتراف برئاسة يعقوب بطرده للأمين الدائم الامام أحمد أو عزله من الحزب.
في النهاية ذهب معسكر القيادية النانه لطلب إذن من ولد داداه في عقد مؤتمر استثنائي ، وقبِل رئيسُ الحزب فعلاً، وحين طلب التحضير، واجه تقريرا من إدارة الحزب يقول باستحالة عقد المؤتمر في الأجل المطلوب، الأمر الذي دفع به إلى التأجيل، وكان ذلك من خلال قرار وقعه الرئيس أحمد نفسه، وحين نُشر القرار طعنت فيه الجماعة المطالبة بالمؤتمر، فأكدَه الرئيس بفيديو نُشر يوم أمس..
لتعود إليه جماعة المؤتمر، عصر يوم أمس، وطال انظارها لخروجه من المسجد القريب من منزله، وحين خرج من مصلاه رحبَ بهم وطالبوه باجتماع للمكتب التنفيذي على الأقل، وأكد لهم أنه لا يمانع، وتم الاتفاق على أن ينعقد اليوم السبت بالمقر الرئيس للحزب..
وصل ولد داده إلى المقرالمركزي، في حدود منتصف النهار، رفقة عضو الحزب محمد ولد الخبوزي، فوجد الجماعة في انتظاره أمام المقر، واستقبله محمد عبد الله ولد اتفغ وول اسنيد امو، وسط ترحيب حار من الجميع، وعندما هم الرئيس بفتح الباب وجده مغلقاً، لأن الحارس إسلمو ولد إميجن، صديق الجميع، كان غائباً، فاقترح أحد القادة التوجه إلى مقر منسقية لكصر (القريب من مرصتْ لعليات) غير بعيد من المقر المركزي، فقبل ولد داده على الفور، تفاديا لكسر باب المقر المركزي عنوة..
يذكر أنهم حين وجدوا الباب مغلقاً صوروا مع الزعيم أحمد ولد داداه أمام الباب واعتبروا المقر مغلقاً في وجوههم وفي وجه الرئيس، وهذا ما ينفيه الطرف الآخر..
توجه ولد داداه والجماعة إلى مقر الحزب بمقاطعة لكصر، واجتمع فيه مطولاً بأعضاء المكتب التنفيذي فقط، حيث كان هناك من ليسوا أعضاء في الهيئات القيادية، في ظل مقاطعة طرف الامام أحمد للاجتماع..
وطلب المجتمعون من الرئيس تحديد موعد للمؤتمر، وتم اقتراح السبت المقبل، وأكد لهم أنه يأمل في فض الخلافات التي لا تُقدم ولا تؤخر، مسنداً رئاسة لجنة الاشراف على المؤتمر للقيادي محمد عبد الله ولد أتفغ..
الخلاصة أن التكتل بخير، وأن الباب لم يُغلق في وجه الزعيم أحمد ولد داداه ولا أي من قادة الحزب.. ولن يغلق ..
آمل أن يعود زملائي في التكتل إلى سابق عهدهم من الوئام ورص الصفوف، وأن يتأكدوا أن “مارو” دار أهل داداد كان زما يزال مُشاعاً للجميع، وأن “أتايْ” إسلمو ينتظرهم بعد الإفطار في المقر المركزي..
26