يختزل شيب رأس مسعود ولد بلخير تاريخا طويلا من تحدي الواقع السياسي والاجتماعي الوطني.
وفي تجاعيد وجهه، تلمس نضال بني جلدته ضد الحيف والظلم والجهل.
يحتفظ صوت ابن “فرع الكتان ” الذي أبصر النور في أقصى الشرق الموريتاني بهدير التمرد ورعد الصمود.
لم يكن مسار الزعيم مفروشا بالورود؛ إذ واجهته تحديات كانت كفيلة بسحقه في بداياته؛ لكن صبره الذي طالما ميزه؛ منذ أن بدأ مساره التعليمي في مدينة النعمة عاصمة الحوض الشرقي منحه القوة ليواصل دراسته الإعدادية في مدينة روصو آواخر 1957؛ ساعتها لم يكن الكثير من أبناء ” لحراطين ” يهتم بمقاعد الدرس؛ لكن مسعود كان ببصيرته يعرف أن امتلاكه لشهادة ختم الدروس الإعدادية هو من سيحرره من قيده الأول؛ وبالفعل استطاع أن يلج المدرسة الوطنية للإدارة ليتخرج إداريا مدنيا في العام 1979.
قبل هذا التاريخ بثلاث سنوات؛ رسم الشاب مسعود رفقة بعض أقرانه ملامح خلاص “لحراطين فقاموا بتأسيس “حركة الحر؛ وستضيء تلك الحركة دروب مئات الحالمين بحياة أفضل لشريحة ” الحراطين”.
لم يرق لمسعود العمل الحكومي؛ إذ بدا المقعد الوزاري لولد بلخير كابحا لنضاله الذي كُتب له أن يسلكه منذ أن وعي بقضية شريحته .
ترك مسعود وزارة التنمية الريفية خلفه؛ ودون أن يلتفت الى مزايا الحقيبة الوزارية ركز نظره على العمل الحزبي المعارض؛ وهو ما تحقق له مع أول سنوات التعددية السياسية التى عرفتها موريتانيا بعد دستور 1991 الذي جاء به ولد الطايع؛ حين قرر أن يخلع بزته العسكرية ويرتدي بذلة فرنسية وربطة عنق قبل أن يختار فضفاضة بيضاء كإشارة لجموع القبائل بأن عصر ديمقراطية من نوع خاص قد بدأ.
وحين انطوت صفحة حكم ولد الطايع ابتسم الحظ للزعيم مسعود؛ حيث قفز إسمه كشخصية توافقية لعبور المرحلة الانتقالية، وبالفعل حصد ولد بلخير أول ثمار صبر السنين الصعبة؛ وفي مشهد رهيب ونادر تم انتخاب رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي رئيسا للجمعية الوطنية.
ومازال الموريتانيون يتذكرون إداراته للجلسات العلنية؛ حيث اطلعوا على روحه المرحة وكاريزما القائد الذي عجنته سنوات السياسة والعمل الإداري.
مدد انقلاب 2008 فترة رئاسة مسعود للجمعية الوطنية؛ حيث سلم مقعده للراحل محمد ولد ابيليل في العام 2013..
عانى حزب التحالف من هجرات منظمة افقدته بعض صلابته التى طالما ساعدته في الثبات في وجه العواصف التي اقتلعت أحزابا عريقة أخرى.
فتح التحالف حزبه لتيارات ناصرية وجدت في الحزب العريق ملاذا لإعادة الخلق السياسي؛ وبكثير من المرونة عالج مسعود تناقض الخلطة العجيبة التى أصبح يعج بها حزبه… فسيفساء وطنية من ايديولوجيات مختلفة تنتظم تحت شعارها الوردي وشمسه الصفراء “معقودة الجبين “.
واليوم أعادت ملامح الثمانيني الصبور ذكريات وشجون وأناشيد التحالف الجميلة وخطابات زعيمه المشبعة بميتلوجيا الشرق البعيد
وفي مؤتمره الاستثنائي الذي انطلق أمس السبت في دار الشباب القديمة قال الزعيم مسعود بلخير إنه” يشعر بالفخر لأنه هو عراب الديمقراطية في موريتانيا وهو من ضحى من أجل التعايش المشترك والدفع باتجاه ترسيخ الديمقراطية”.
وبكثير من المرارة تحدث الزعيم مسعود عن “تعرض حزبه للاستهداف بغية إخراجه من المشهد العام بموريتانيا”.
سيظل صوت مسعود المسكون بهموم الموريتانيين عصيا على النسيان وسيتردد صداه طويلا في آذان السالكين لطريق التغيير والحالمين بموريتانيا موحدة وقوية.