قبس ـ خاص.
فجأة غمرت مياه نهر السينغال عشرات القرى الموريتانية الواقعة على ضفة نهر السينغال في الجانب الموريتاني؛ من النهر ؛ الذي يُشكل مصدر حياة لملايين المواطنين الموزعين في أربع دول إفريقية التي تماهت حياتها منذ قرون مع واحد من أهم الأنهار في إفريقيا.
لكن هذه المرة فاض النهر وتضررت حياة سكان الضفة الشمالية الجنوبية له؛ حيث اضطر مئات الأسر الموريتانية لترك منازلهم؛ بعد أن حاصرتها المياه وطفت ممتلكاتهم البسيطة على صفحة الماء؛ ليذرفوا دموعهم وهو يغادرون قراهم على زوارق عسكرية صغيرة تابعة للبحرية الوطنية الموريتانية؛ وكلهم أمل في عودة سريعة لأماكنهم التي ألفوها وأبحروا عنها مكرهين .
نهر السنغال شريان حياة
جاء موسم الخريف لهذا العام ماطرا على دولة المصب؛ مما زاد من منسوب مياه النهر؛ الذي ينبع من هضبة فوته جالو في غينيا ؛ ويعبر أراضي 4 دول أفريقية، وهي بالترتيب غينيا ، ودولة مالي ، السينغال ؛ وموريتانيا)؛ ثم يصب في نهاية رحلته بالقرب من مدينة سانت لويس، في المحيط الأطلسي, قاطعا خلالها مسافة تقدر بحوالي 1790 كيلومتر وهي مقدار الطول الإجمالي للنهر، بينما تبلغ مساحة حوضه حوالي 340 ألف كيلومتر مربع.
وتعتمد شعوب حوض نهر السينغال على هذا الشريان الاقتصادي في حياتهم اليومية؛ فأغلب الأنشطة التي تقام على ضفافه يلعب فيها النهر الدور الرئيسي .
فعلى جنباته ازدهرت حضارات وثقافات غذاها على مر قرون؛ وانصهرت شعوب تلك المناطق في تحالف جغرافي يغديه التاريخ .
ولايات الضفة هبة النهر
يرى سيدي عالي ولد حمو؛ الباحث في الجغرافيا الاقتصادية ” أن نهر السينغال يلعب دورا محويا في حياة سكان ولايات الضفة؛ الذين أتاح لهم النهر؛ إمكانية زراعة محصولين في السنة، هذا فضلا على المراعي الطبيعية التي نمت على ضفاف النهر الموجودة في هذه الولايات التي ساعدت على ازدهار حرفة الرعي في هذه المناطق.”
ويضيف ولد حمو في تصريح ل ” قبس الإخباري” يشكل النهر حدودا طبيعية ين الدولتين، ومع ذلك لا يعد حاجزا بينهما بل مثل لهما وعلى مر التاريخ نقطة التقاء في كثير من نواحي الحياة، فالسكان القاطنون على ضفتي النهر في كلا البلدين ينتمون لأجناس عربية وزنجية تتلاقى بشكل كثيف، بل وأحيانا تشكل نفس العائلات التي انشطرت إلى نصفين أحدهما موريتاني والآخر سنغالي، هذا بالإضافة لتشابه أنماط وأساليب الإنتاج بين الجماعات القاطنة ضفاف النهر، فنجدهم يزرعون نفس المحاصيل، ويمارسون نفس الحرف والأنشطة الاقتصادية، ويعد النهر الوحيد الذي يجري في الأراضي الموريتانية.
الماء في كل مكان…
تحولت أخبار الطقس إلي مصدر قلق لسكان ولايات الضفة في موريتانيا؛ إذ أصبحت الأنواء والأمطار ،عامل ضغط على خدمات الدولة المقدمة لسكان هذه الولايات التي تأثرت بفعل الفيضانات ؟
وقال والي الترارزة؛ محمد ولد أحمد مولود، في تصريحات صحفية “إن التوقعات تشير إلى زيادة منسوب مياه نهر السنغال خلال أمس الاثنين
جاءت تصريحات الوالي خلال جولة له في مراكز إيواء المتضررين من الفيضانات بمنطقة البزول3 التابعة لمركز لكصيبة2 الإداري بمقاطعة انتيكان”.
وأكد الوالي أن الدولة عبأت جميع الوسائل، من أجل توفير مقومات الحياة الكريمة للسكان مؤكدا أن ظروف الإقامة بمقر الإيواء جيدة وأن جميع المستلزمات تم توفيرها.
وقال المندوب الجهوي لمفوضية الأمن الغذائي بولاية اترارزة الطالب مصطف ولد خطري أن مفوضية الأمن الغذائي وفرت للأسر الموجودة بمركز الإيواء بالبزول3 الخيم والأفرشة والسلال الغذائية والأغطية ومواد النظافة، في حين وفرت قطاعات الصحة والمياه والبيئة المستلزمات الضرورية من صحة وناموسيات وماء صالح للشرب وفحم، وقدمت المندوبية العامة لتآزر 50000 أوقية قديمة لكل أسرة من الأسر الموجودة بمركز الإيواء والبالغة 52 أسرة حتى اليوم.
وأضاف أن عدد المتضررين من الفبضانات في تزايد مستمر ومن المتوقع ترحيل 10 أسر قريبا إلى منطقة الإيواء بالبزول 3 من طرف الجيش الوطني والذي أشرف على ترحيل جميع الأسر الموجودة بمنطقة الإيواء.
وقال إن جميع القطاعات الحكومية والسلطات الإدارية بالولاية جاهزة للتدخل عند الحاجة وهناك مخزون على مستوى الولاية يكفي حدود 300 أسرة.
خيم للنازحين
وكانت السلطات الموريتانية قد بدأت منذ أيام عملية إجلاء سكان القرى المتضررة من الفيضانات في ولايات الضفة، كما ساهمت وحدات من الجيش في عمليات الإنقاذ باستخدام قوارب مطاطية، ما أسهم في إنقاذ العديد من العالقين في المناطق المتضررة.
وشاركت في هذه التدخلات، وزارات الدفاع والداخلية والتجهيز والنقل وزارة الصحة، التمكين، البيئة، والطاقة والنفط، المياه والصرف الصحي، المندوبية العامة للتضامن “تآزر”، مفوضية الأمن الغذائي، إضافة إلى القوات المسلحة.
وأعدت الحكومة قبل حوالي أسبوعين خطة لمواجهة الفيضانات بعد تحذيرات من احتمالية ارتفاع منسوب مياه النهر، ما قد يؤدي إلى فيضانات في منطقة الضفة
وحسب تقارير إعلامية موريتانية؛ فإن هذه الخطة تهدف إلى تفادي كارثة الفيضانات والتخفيف من تداعياتها على السكان المحليين في المناطق المتضررة.
ووزعت السلطات معدات الإيواء والمساعدات على المتضررين، بما في ذلك الخيام، والمواد الغذائية، والخدمات الطبية، لضمان “استقرار الأوضاع وتأمين الاحتياجات الأساسية للمتضررين”.
كأن تحصد المزن
أثرت فيضانات نهر السينغال على حصاد الأرز في مزارع شمامه؛ حيث غمرت المياه عشرات الهيكتارات.
وكتبت على صفحتها على منصة الفيسبوك برديس محمد وهي مستثمرة في مجال زراعة الأرز ” طوفان النهر يغمر 44 هكتار هي حصادنا وجهدنا الجهيد”
وأضافت برديس “أنا فقط من يعرف تفاصيل هذه الأرض…شبرا شبرا…
أنا فقط يمكنني تمييز مكان كل بذرة وطول كل سنبلة… تحت هذا الغمر النهري الهادر”.
وبكثير من المرارة عبرت بنت محمد عن شعورها بمرارة الخسارة “امتزج عرقي وعرق عمال مزرعة نورامبيان بطوفان النهر الهائج… ما جعل أحلامنا تطفو على سطح الماء”.