
قبس – أقريني أمينوه – محمد الأمين أحمد – نواكشوط
كانت سواحل موريتانيا قد تحولت بالفعل إلى نقطة انطلاق للمهاجرين غير الشرعيين نحو جزر الكناري، رغم توقيع اتفاق مع الاتحاد الأوروبي لمكافحة الهجرة غير النظامية. وكان البلد يواجه احتجاجات شعبية على وسائط التواصل الاجتماعي بسبب المخاوف الأمنية والاقتصادية.
تسارعت الجرائم المرتبطة بالمهاجرين، مما زاد من توتر الأوضاع بشأن تأثيرهم على الاستقرار.

جذور الأزمة
في السنوات القليلة الماضية، تحولت سواحل موريتانيا إلى نقطة انطلاق رئيسية ل”قوارب الموت” التي تقل مهاجرين غير نظاميين من دول إفريقية وآسيوية متعددة، متجهين نحو جزر الكناري في الأرخبيل الإسباني.
قبل حلول مارس 2024، وبالتزامن مع توقيع موريتانيا والاتحاد الأوروبي اتفاقًا لمحاربة الهجرة غير النظامية، تم الاتفاق على منع تدفق المهاجرين نحو أوروبا، وإعادة المهاجرين غير الشرعيين، والتعاون في قضايا اللجوء.
ورغم تأكيد الحكومة على عدم استقبال المهاجرين، قوبل الاتفاق بمعارضة واسعة، تصدت لها قوات الأمن. وفي المقابل، حصلت موريتانيا على مساعدات مالية تجاوزت 500 مليون يورو.
أما المعارضون فاعتبروا الاتفاق “بيعًا للأرض”، بينما أكدت الحكومة أن الاتفاق هو مجرد تعاون لمكافحة شبكات التهريب، في ظل تحول سواحل موريتانيا إلى نقطة انطلاق رئيسية لقوارب الهجرة نحو أوروبا.

بوادر التخوف
في الأسابيع الأخيرة، انتشرت في موريتانيا سلسلة من جرائم السرقة والاعتداءات باستخدام الأسلحة التي نفذها مهاجرون، أغلبهم من دول إفريقية. حيث تعرض موظف حكومي لاعتداء كاد يودي بحياته على يد عامل طلاء من جنسية إفريقية كان يعمل في منزله.
وفي تطور لاحق، أعلنت الشرطة القبض على عصابة من نفس الجنسية كانت تسرق محلات تجارية في مدينة الطينطان.
لكن الهاجس الأمني ليس الوحيد الذي يثير قلق الموريتانيين؛ إذ إن تغييرات في البنية الديمغرافية تثير القلق بشأن المحاصصة في الوطن، مما يجعل تقبل البعض لتواجد المهاجرين أمرًا صعبًا.
في هذا السياق، يقول النائب البرلماني المعارض محمد بوي ولد الشيخ محمد فاضل: “تكمن خطورة توطين المهاجرين في تغيير البنية الديموغرافية، في المجالات العرقية والدينية والثقافية، بينما يبقى الهاجس الأمني هو التحدي الأكبر.”

تصريحات متكررة
التصريحات المتكررة لرئيس حكومة جزر الكناري، الذي زار موريتانيا مؤخرًا، كانت تبعث على القلق، حيث قال في جلسة برلمانية “لقد تراجع الاتحاد الأوروبي عن وعوده المقدمة لموريتانيا.”
وأشار كلافيخيو إلى أن هذا التراجع سيجعل من الصعب السيطرة على تدفق قوارب الهجرة غير النظامية من سواحل موريتانيا التي تمتد لأكثر من 700 كيلومتر. وأضاف أن المنطقة تستضيف نحو 500 ألف مهاجر شاب من دول الساحل الذين يسعون للوصول إلى جزر الكناري.

محرضون ومتعاطفون
انتشرت في الآونة الأخيرة حملة تحريض ضد المهاجرين غير النظاميين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث باتوا يشكلون 10% من سكان موريتانيا. وتطورت بعض هذه الحملة إلى وقفات احتجاجية، مثلما حدث في ازويرات.
يقول الكاتب الصحفي سلطان البان: “أُغرقت موريتانيا بالمهاجرين، وتراجع الاتحاد الأوروبي عن التزامه بدعمه المالي، الذي يسيل له لعاب الفاسدين، وانتهى الأمر بدولة بلا بنية تحتية، وبلا مراقبة أمنية شاملة، تواجه ما يزيد على مليون مهاجر حسب تقديرات لمنظمات إنسانية.”

من جهة أخرى، يدعو بعض الموريتانيين إلى وقف التحريض ضد المهاجرين، مثلما يقول الكاتب الصحفي ومدير مركز الأطلسي الساحلي للهجرة، محمد الأمين خطاري: “التحريض يؤثر على المناخ العام، والمطلوب هو التقنين، والأوراق الثبوتية، واحترام المهاجر لشروط الإقامة بعيدًا عن خطاب الكراهية الذي ينافي المعروف عن الموريتانيين من كرم واستقبال جيد للضيوف.”

تحديات حقيقية
تواجه موريتانيا تحديات كبيرة في توفير الخدمات الأساسية. فالأرقام تشير إلى أن أكثر من 50% من السكان يواجهون صعوبة في الحصول على مياه نظيفة، بينما تعاني المناطق الريفية من صعوبة الوصول إلى خدمات الكهرباء والإنترنت. كما أن البطالة منتشرة بشكل كبير في صفوف الشباب، حيث يمثل الشباب 70% من المجتمع، ويعاني 30% منهم على الأقل من البطالة.

ويقول النائب محمد بوي: “كثرة المهاجرين ستسبب إشكالًا في قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية.”
ويضيف الصحفي سلطان البان: “هذه جريمة في حق الوطن، وعلى رئيس الجمهورية اتخاذ مسؤولياته وإلغاء الاتفاقية، وإرجاع المبلغ المالي إن كانت وزارة الداخلية قد قبضت دفعته الأولى، وتخصيص ميزانية لبدء عمليات الترحيل الفوري لكل وافد غير شرعي.”.

طمأنة الحكومة
ورغم المخاوف المستمرة للمواطنين، تحاول الحكومة أن تظهر بمظهر المتفائل، حيث قال وزير الداخلية الموريتاني محمد أحمد ولد محمد الأمين إن بلاده لن تكون حارسًا لحدود الآخرين. وأكد أن موريتانيا ستتعامل مع الهجرة غير النظامية وفقًا للقوانين الدولية ومبادئ حقوق الإنسان.
وأضاف الوزير أن الحكومة حريصة على مطابقة قوانين الهجرة مع نظم العمل الوطنية والدولية، ومراعاة مبدأ المعاملة بالمثل الذي يعد ركيزة في العلاقات الدولية. وأشار إلى أن أرقام المبعدين من المهاجرين في تزايد مستمر، حيث تم إبعاد أكثر من 10 آلاف مهاجر خلال الأشهر الثمانية الأولى من السنة.
من جهته، أكد الوزير الأول المختار ولد اجاي أن الحكومة اتخذت تدابير جديدة لتقوية حدود العاصمة نواكشوط، وذلك من خلال خطة لتشييد حزام أمني إلكتروني يهدف إلى مكافحة الهجرة غير النظامية.

موريتانيون في المجهر
تتمتع موريتانيا بجالية كبيرة منتشرة في عدة دول. حيث هاجر العديد من الشباب الموريتانيين إلى الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الأخيرة.
ومن بين الأسباب التي دفعتهم للهجرة هي الرغبة في تحسين الوضع الاقتصادي، والتعليم، والبحث عن استقرار سياسي، تمامًا كما يفعل المهاجرون الأفارقة الذين يتوافدون إلى موريتانيا.