
قبس – خاص.
ما إن أنهى الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني مشاركته في القمة العربية الطارئة حتى توجه إلى الأردن، في زيارة تحمل بُعدًا روحيًا واجتماعيًا، لتقديم واجب العزاء في الشيخ عايش رجا الحويان، شيخ الطريقة الغظفية في الأردن، الذي وافته المنية يوم الاثنين 3 مارس 2025 عن عمر ناهز 145 عامًا.
من الأردن إلى بومديد..
لم تكن زيارة الرئيس الموريتاني مفاجئة، فالشيخ الراحل يحظى بتقدير خاص في موريتانيا، خصوصًا في مقاطعة بومديد التي ينحدر منها الغزواني، حيث تنتشر الطريقة الغظفية ويُسمى العديد من الموريتانيين هناك أبنائهم تيمّنًا باسم الشيخ عايش، ما يعكس عمق العلاقة الروحية بين الشيخ ومريديه في بلاد شنقيط.
تراث صوفي عابر للقارات…
تُعد الطريقة الغظفية إحدى الطرق الصوفية المنتشرة في العالم العربي، ولها حضور قوي في الأردن وموريتانيا ودول أخرى.
تتميز بتقاليدها الروحية العريقة التي تركز على الذكر والتربية الصوفية، وتعتمد على سلاسل علمية تعود إلى شيوخ بارزين في التاريخ الإسلامي.
وكان الشيخ عايش الحويان أحد أبرز رموزها في الأردن، حيث أسس قاعدة لمريديه وساهم في نشر تعاليمها.
حكيم العشيرة
وُلد الشيخ عايش رجا مطلق الحويان عام 1880 في منطقة البلقاء بالأردن، ونشأ في بيئة عشائرية جعلته يكتسب معارفه من المجالس والاحتكاك بالعلماء، ما أهّله ليكون مرجعًا في الشؤون الدينية والعشائرية.
لم يتلقَّ تعليمًا نظاميًا، لكنه كان مثالًا للعالم العصامي، فبرز كشيخ للطريقة الغظفية وزعيم لعشيرة الحويان، إحدى عشائر البلقاوية ذات النفوذ الواسع.
خلال مسيرته، لعب الشيخ دورًا محوريًا في تعزيز الروابط بين العشائر الأردنية، وكان له تأثير في توطيد العلاقات الأردنية السعودية، مستفيدًا من موقعه كشخصية اعتبارية تُحظى باحترام واسع.
عُرف بكرمه وشهامته، وكان بيته مقصدًا للوجهاء والساعين إلى الحلول العشائرية، مما جعل منه أحد أعمدة الحكمة والإصلاح في المجتمع الأردني.
إرث خالد..في كتاب
في عام 2022، أصدر المؤرخ عمر محمد نزال العرموطي كتاب “أيام زمان: مذكرات الشيخ عايش رجا مطلق الحويان”، الذي يُعد وثيقة تاريخية ترصد محطات حياة الشيخ، بدءًا من نشأته، مرورًا بمواقفه العشائرية والدينية، وصولًا إلى رؤيته للأحداث الكبرى التي شهدها الأردن والمنطقة.
وداع قرن ونصف
رحيل الشيخ عايش الحويان لم يكن مجرد حدث عادي، بل محطة تاريخية، كونه واحدًا من أكبر المعمرين في الأردن.
جرى تشييعه في جنازة مهيبة، حيث صُلي عليه في مسجد يحمل اسمه، ودُفن في مقبرة عشيرته بسحاب، وسط حضور رسمي وعشائري كبير.
حضر العزاء رئيس الديوان الملكي الهاشمي يوسف حسن العيسوي، ناقلًا تعازي الملك عبدالله الثاني ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني.
كما شكّلت زيارة الرئيس الموريتاني تأكيدًا على امتداد تأثير الشيخ خارج حدود الأردن، ودوره في تعزيز الروابط الروحية والعشائرية بين الدول العربية.
برحيل الشيخ عايش رجا الحويان، يطوي الأردن صفحة رجل كان شاهدًا على تحولات كبرى، وترك إرثًا روحيًا واجتماعيًا سيظل حاضرًا في الذاكرة العشائرية والدينية لعقود قادمة.