قبس ـ خاص ـ محمد عبد الله.
دأبت الحكومة الموريتانية على اتخاذ قرارات بإعفاء أو تجريد مسؤولين من مناصبهم ضمن سياق يُفسَّر على أنه جزء من مساعي الإصلاح وضبط الأداء داخل القطاعات الحكومية، وقد تضمنت هذه التغييرات مسؤولين في قطاعات حيوية كالصحة والأمن، والتي أثارت تساؤلات حول منهجية اتخاذ القرارات وآليات تطبيق العدالة، في ظل تسارع الأحداث وتكرار حالات التجريد من المهام.
قرارات في الواجهة
أمسى الشارع الموريتاني، قبيل اجتماع مجلس الوزراء الاخير، على تجريد أم الفضل عبد الودود الصادق من مهامها كمديرة عامة لمركزية شراء الأدوية والتجهيزات الطبية (كاميك)، وسط تساؤلات عن الأسباب التي تقف وراء هذا الإجراء. خاطيك عن تجريد مدير المكتب المركزي لمكافحة الهجرة والاتجار بالبشر، المفوض عبد الفتاح ولد اللهاه في الأسابيع الماضية في خطوة وُصفت بأنها جزء من عملية إعادة هيكلة في الأجهزة الأمنية، زيادة على إقالات وتعيينات عرفتها موريتانيا منذ أن تحول بيان مجلس الوزراء إلي ترموميتر شعبي لمعرفة المسؤولين الذين طالهم عمل مؤسسات الرقابة المالية .
الإجراء والتفسير
يرى الصحفي سيدي محمد المصطفى، أن قرارات “التجريد والإعفاء في موريتانيا غالبًا ما تغيب عنها الشفافية. فالمصطلحات المستخدمة كـ”تجريد” و”إعفاء” دائما ما تُفهم على أنها عقوبة دائمة تمنع المسؤول من العودة إلى الساحة الإدارية، لكن الواقع يقول عكس ذلك. فكثير من المسؤولين المجردين من مهامهم يُعاد تعيينهم لاحقًا في مناصب أخرى، وأحيانًا في مراكز قانونية أفضل من سابقاتها، وهو ما يعزز الشعور بأن القرارات تحمل أبعادًا إدارية أو سياسية مؤقتة، بدلاً من أن تكون قائمة على المساءلة الحقيقية”.
فجوة الإصلاح

يقول سيدي محمد إن غياب المحاسبة الحقيقية يشكل ثغرة كبيرة في منظومة الإصلاح الإداري. يشرح لنا: “إذا كان المسؤول الذي يُتهم بالفساد أو يُعفى بسبب تقصير لا يخضع لأي تحقيق جدي ولا تُفرض عليه عقوبات قانونية واضحة، فإن مفهوم العقوبة يفقد معناه، ويصبح التجريد إجراءً إداريًا فارغًا من مضمونه الإصلاحي.”
من جهة أخرى، يطالب الكثيرون بإجراءات أكثر حزمًا تشمل محاسبة دقيقة للمسؤولين المتورطين في قضايا فساد، مع إعادة الأموال العامة المنهوبة – إن وُجدت – وفرض عقوبات تمنعهم من العودة إلى المناصب العليا.
لازمت الحكومة في الفترة الاخيرة على الترويج لسياسات ضبط القطاع العام، وتسويق قرارات الإقالة والتجريد كإجراءات تصب في خانة الإصلاح، بحسبها. لكن هذه السياسات تواجه تحديات حقيقية؛ فبدون وجود نظام قائم على المكافأة والعقوبة، وغياب التقييم الشفاف لأداء المسؤولين، تظل هذه القرارات مجرد تغيير في الأسماء دون التأثير على جودة الأداء الإداري، حسب القانوني محمدي ولد عبد الله.
ويتسائل عبد الله المهتم بتاريخ الإعفاء والتجريد في الإدارة الموريتانية هل ستتحول قرارات الحكومة إلى نهج إصلاحي مستدام، أم ستظل مجرد إجراءات مؤقتة تعالج الأعراض دون أن تصل إلى جذور المشكلات؟
فزاعة موسمية!!
ينص الدستور الموريتاني والقوانين التنظيمية على وجود 15 مؤسسة رقابية معنية بمراقبة آليات الصرف القبلي والبعدي من خزينة الدولة
وحين تنشر هذه الجهات الرقابية تقاريرها يتوقع المراقبون موجة تجريد على الأبواب للموظفين الذين لاحظت الجهات المعنية ارتكابهم خروقات تسييرية أثناء ممارستهم لمسؤولياتهم.
وكانت المفتشية العامة للدولة في موريتانيا قد أعلنت في العام 2022 عن إرسال 19 بعثة تفتيش زارت 178 مؤسسة وعاينت 180 مشروعاً أو منشأة للوقوف على حقيقة معايير التقيد باحترام المساطر المنظمة لتسير المال العمومي.

وسبق أن صرح المفتش العام للدولة ساعتها خلال مؤتمر صحافي عقده في نواكشوط 2022 أن “20 شخصاً أحيلوا إلى السجن بسبب تورطهم في عمليات فساد ورفضهم إعادة الأموال”.
وعلى رغم ارتباط التجريد بالفساد عادة في موريتانيا إلا أن معظم المتابعين للشأن المحلي يرونه فزاعة تستخدمها الحكومات في أوجه موظفيها ترهيباً وترغيباً بحسب السياق السياسي العام لكل نظام يحكم موريتانيا