قبس ـ محمد عبد الله.
أعلن الرئيس السنغالي بصيرو جوماي فاي أن بلاده “لن تسمح بوجود أي قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها” مؤكداً أن السنغال دولة مستقلة وذات سيادة.
تصريحات الرئيس السينغالي الشاب جائت في مقابلة مع وكالة “فرانس برس”، ودعا فاي فرنسا إلى إقامة شراكة خالية من الوجود العسكري، في إشارة إلى الرغبة المتزايدة لدى الدول الإفريقية في إعادة صياغة علاقاتها مع القوة الاستعمارية السابقة.
فاي، لم يكتفِ بمسألة القواعد العسكرية، بل سلط الضوء على ملف تاريخي حساس. فقد كشف أنه تلقى رسالة من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون يعترف فيها بمسؤولية فرنسا عن مجزرة تياروي التي وقعت قرب داكار عام 1944، واصفاً هذه الرسالة بأنها خطوة مهمة في مسار المصالحة التاريخية، لكنه لم يستبعد تقديم طلب رسمي لتعويض ذوي الضحايا، وهو ما قد يفتح الباب أمام مطالب مشابهة في دول أخرى.
تشاد-فرنسا
في تطور موازٍ، أعلنت تشاد إنهاءَ تعاونها العسكري مع فرنسا، مؤكدة استعدادها لتسهيل انسحاب الجنود الفرنسيين من أراضيها “بطريقة متناغمة”. هذا الإعلان يمثل تحولاً حاسماً، خاصة أنه يتناقض مع تصريحات مبعوث ماكرون إلى إفريقيا، جان ماري بوكل، الذي أكد قبل أشهر أن الجيش الفرنسي سيبقى في تشاد.

البيان التشادي جاء واضحاً: “بعد 66 عاماً من إعلان جمهورية تشاد، حان الوقت لتأكيد سيادتها الكاملة وإعادة تحديد شراكاتها الاستراتيجية بما يتماشى مع الأولويات الوطنية”. قرار تشاد يضع حداً لتواجد ألف جندي فرنسي في البلاد، وهو مؤشر آخر على تراجع النفوذ الفرنسي في القارة.
بوركينا فاسو .. “اتفاق المساعدة العسكرية”
في يناير الماضي، أعلنت بوركينا فاسو تعليق العمل باتفاق المساعدة العسكرية المبرم مع فرنسا عام 1961، مانحة الجنود الفرنسيين مهلة شهر لمغادرة البلاد. هذا القرار يأتي في سياق تصاعد التوتر بين الحكومة الفرنسية والدول الإفريقية التي تشهد تحولات سياسية وأمنية عميقة، حيث باتت باريس تواجه انتقادات متزايدة بشأن دورها في مستعمراتها السابقة.
النفوذ الفرنسي في إفريقيا
ما يجري في السنغال، تشاد، وبوركينا فاسو ليس مجرد قرارات منفصلة، بل يبدو أنه جزء من موجة أوسع تعكس رغبة متزايدة لدى الدول الإفريقية في التحرر من الإرث الاستعماري وإعادة صياغة علاقاتها الخارجية.
فرنسا، التي طالما اعتبرت إفريقيا “حديقتها الخلفية”، بحسب البعض تجد نفسها أمام تحديات غير مسبوقة، حيث تتراجع قواعدها العسكرية واحدة تلو الأخرى، ومع مواجهة دعوات لتغيير نهجها في القارة.

الرسائل القادمة من داكار، نجامينا، وواغادوغو، ليست مجرد كلمات؛ إنها إعلان عن مرحلة جديدة في العلاقة بين إفريقيا وفرنسا، مرحلة عنوانها الأبرز: السيادة أولاً