
قبس ـ نواكشوط ـ محمد عبد الله.
أعادت حادثة تجميد عضوية أحد شباب الحزب الحاكم في موريتانيا إلي الأذهان؛ حوادث مماثلة وقعت في تاريخنا المعاصر؛ تنوعت بين التجميد والطرد طالت شخصيات سياسية كانت تحتل مناصب قيادية في الأحزاب التي كانت تحكم موريتانيا.
عاشت الأحزاب الحاكمة في موريتانيا؛ منذ التعددية السياسية مطلع تسعينات القرن الماضي وقائع مماثلة لتجميد عضوية الناشط السياسي اندحمودي ولد خطاري الذي أصدر حزب الإنصاف الحاكم وثيقة تُعلق عضويته لمدة ثلاثة أشهر قبل أيام .
إلا أن هذ القرار سبقته قرارات أكثر فجائية وأثرت في المشهد السياسي الوطني؛ فمنذ واقعة قصر المؤتمرات الشهيرة عقب محاولة انقلاب يونيو 2003؛ مرورا بتعرجات حزب عادل وتوترات قيادات حزب الاتحاد من أجل الجمهورية مع شبابه في حادثة التلاسن الشهيرة بين الرئيس سيد محمد ولد محم مع شباب الحزب منتصف 2013؛ ظل الحزب الحاكم يُصدر قرارات في حق نشطائه وقياديه.
تعددت الأسباب.
يمكن حصر الأسباب التي تؤدي إلي طرد وتجميد وتعليق عضوية النشطاء إلي كلمة واحدة تتكرر في كل قرار يصدر عن مجلس تأديب أو الهيئة الحزبية المعنية بهذا النوع من القرارات؛ وهي عدم الانضباط الحزبي
فقبل أيام؛ أصدر حزب الإنصاف الحاكم، قرارًا بتعليق عضوية رئيس لجنة التنظيم في “اللجنة الوطنية لشباب الحزب” اندحمودي ولد خطاري، لمدة ثلاثة أشهر.
وعللت مذكرة صادرة عن الحزب قرار تعليق ولد خطاري ؛ ب ” قيامه بمخالفات وصفت بأنها تمس الانضباط الحزبي. وقد تم توقيع قرار التعليق من رئيس اللجنة الوطنية لشباب الحزب، المصطفى باب الطالب العالم “.
الحزب أكد أن القرار اتخذ بعد” سلسلة من الخطوات شملت الاستماع والتوجيه والتحذير، لكنه شدد أيضًا على ضرورة التزام جميع هيئاته بتطبيق ما أُقرّ”.
ولكن، في مشهد يكاد يكون متوقعًا في مثل هذه الحالات، جاءت رواية الطرف المعني مخالفة تمامًا. ففي تدوينة نشرها ولد خطاري عبر صفحته على “فيسبوك”، أكد أنه لم “يتلقَّ أي استفسار أو تحذير قبل صدور القرار، مشيرًا إلى أن ذلك يمثل خرقًا واضحًا للمادة 11 من النظام الداخلي للحزب”.
ويقول محمد الدده لموقع ” قبس الإخباري ” وهو المهتم بتاريخ الحركات والأحزاب السياسية في موريتانيا؛ إن هناك مشترك بين جميع الأحزاب التي حكمت موريتانيا؛ وهو أنها تنزعج من التغريد منفردا للأعضاء؛ وتواجه هذه الأصوات بقوة القانون؛ حيث تُشهر مصطلح الانضباط الحزبي كفزاعة لفرض انضباط قد يبدو مفهومه ضبابيا لبعض المناضلين لاختلاف رؤاهم وانعدام مشترك عقدي سياسي يؤسس للخيط الناظم العام داخل الحزب”.
هل يستحق هذا القرار؟
سؤالٌ يبدو معقدًا بقدر ما هو بسيط. إذا ما عدنا إلى النصوص المنظمة، فإن المادة 11 تضع إطارًا محددًا للتعامل مع المخالفات. تبدأ العملية باستفسار رسمي يُوجه إلى الشخص المعني، يتبعه اجتماع للمكتب التنفيذي لدراسة الرد، ثم إنذار في حال استمرار المخالفة. وإذا لم يمتثل الشخص، تُرفع القضية إلى قيادة الحزب لاتخاذ القرار المناسب.
بالتالي، إذا صحّت رواية ولد خطاري بأنه لم يُستفسر مسبقًا، فإن القرار يصبح موضع شك من حيث شرعيته التنظيمية.
هل هي سابقة؟
لا، ليست هذه المرة الأولى التي يهز فيها قرار حزبي الساحة السياسية في البلاد. ففي عام 2003، بعد المحاولة الانقلابية في يونيو، طرد الحزب الجمهوري الحاكم حينها أعضاء بارزين من مكتبه التنفيذي
كما شهد حزب عادل الذي كان يوصف بالحزب الحاكم طيلة فترة حكم الرئيس الراحل سيد محمد الشيخ عبد الله حالات تعليق عضوية .

إلا أن حزب الإتحاد من أجل الجمهورية الذي كان هو ” حزب الدولة ” حسب مفهوم رجل الشارع الموريتاني البسيط؛ شهد عدة حالات إنذار وطرد وتعليق عضوية .
ففي المواسم السياسية التي تسبق فترات الانتخابات التشريعية والبلدية في موريتانيا؛ تُشهر لجان الانضباط في الأحزاب الحاكمة في موريتانيا بطاقاتها الصفراء والحمراء أحيانا؛ لفرض الإنصياع لقرارات الحزب في اعتماد لوائحه التي تُمثله في ترشيحات الداخل المثيرة للجدل .

وتتفاوت درجات إصدار العقوبات الداخلية في الحزب الحاكم تبعا لمن يتولى رئاسته؛ فمن الملاحظ أنها تخف حين يكون الرئيس الذي يشغل المنصب من طينة السياسيين الكبار؛ حيث ينجح في امتصاص انسحابات المغاضبين وتختفي قرارات التعليق والطرد
بينما تزدهر هذه القرارات في فترات رؤساء التكنوقراط الذين يفتقدون للمرونة السياسية والاجتماعية التي تنفع في هذا الحالات؛ حسب مهتمين .
وفي السنوات الأخيرة، طُردت فاطمة منت الفيل، الناشطة السياسية التي كانت عضوًا في لجنة الشباب في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية؛ الذي تحول لحزب الإنصاف الحاكم لاحقا .
ماذا تقول النصوص؟
تُظهر تصريحات فاطمة منت الفيل ساعتها ، والتي عاشت تجربة مشابهة، أن “التعليق أو الطرد من العضوية يتطلب سلسلة من الإجراءات تبدأ بجلسة تنبيهية، يليها استفسار مكتوب، ثم اجتماع للمكتب التنفيذي قبل إحالة القرار إلى قيادة الحزب”.
لكنها أضافت بعدًا لافتًا حين أشارت إلى أن “الإجراءات أحيانًا تُتخذ بطريقة تتجاوز النصوص، وهو ما يجعل من قضية ولد خطاري اختبارًا جديدًا للالتزام بلوائح الحزب”.
أبعد من القرار!!

تكشف قضية تعليق عضوية ولد خطاري عن خلل أعمق في العلاقة بين القيادة والقاعدة داخل الأحزاب السياسية. في ظل تناقض الروايات، يبقى السؤال الأهم: هل ستجد القوانين الداخلية طريقها إلى التطبيق الشفاف، أم أن السياسة ستظل ميدانًا لقرارات تتجاوز النصوص!