محمد عبد الله ـ قبس ـ نواكشوط.
هناك في مقاطعة توجنين بولاية نواكشوط الشمالية؛ وبالقرب من “كارفور أدرار”، وغير بعيد من (وقفة حمود) كانت الخمسينية الغالية بنت ش على موعد مع حدث دراماتيكي سيغر حياتها وإلى الأبد.
في منزلها الصغير؛ والذي بنته بالكثير من العرق النازف على مدار سنوات طويلة لتُحوله لمرفأ لروحها المنهكة. عرفت الغالية الحياة بألوانها المختلفة، ذاقت حلوها ومرّها، وخبرت أصناف الرجال عبر سنوات عمرها في هذه المدينة القاسية. ولكنها أخيرًا، شاءت الأقدار أن ترتبط (سرًّا) برجل يدعى أحمدو ب ، وهو ستيني يُكابد آلام القلب بصمت بعد عملية قسطرة أثقلته بأوجاعها.
لم تستطع الغالية أن تمتص صدمة رحيل (زوجها) المفاجئ، بدأت القصة عندما اعترضت الغالية جماعة المسجد؛ وهم يهمون بمغادرة بيت الله؛ في صباح الأحد 15 دجمبر؛ بكلماتها المتنافرة ونفسها المتقطع و بثوبها الداكن ووشاحها البرتقالي يلف رأسها كمن يحاول تغطية ما تبقى من تعب الحياة!!
قالت الغالية؛ عندي في البيت حالة وفاة؛ ساعتها لم يعد ذلك الزواج السري سرا بين الغالية وأحمدو؛ وبعدها جاءت السلطات الأمنية وبدأ الكثير من الأسئلة يُطرح في انتظار إجابات .
زائر سري
وحسب شهود وجيران للغالية؛ تحدثت ” قبس ” معهم؛ كان أحمدو يأتي كل مساء لذلك البيت البسيط، ليقضي ساعات معدودة في دفء بيتها، قبل أن يغادر مع خيوط الفجر الأولى. لم يكن بينهما أكثر من حديث متقطع وشاي معتاد، ومع خيوط الفجر الأولى يسحب رجل الظلام الخطى نحو بيته المُعلن.
وفي مساء الأمس؛ وككل مساءات أحمدو دخل أحمدو إلى البيت، يحمل ظلاله المثقلة، لكنه بدا على غير عادته. قلقًا، متوترًا، كأنه يحمل همًّا. جلست الغالية كعادتها تعد الشاي، لكنها لاحظت شرودًا في عينيه. حاولت أن تتجاهل الأمر، معتقدةً أن ضغوط الحياة قد نالت من قلبه المرهق.
بعد الشاي، أخلدا للنوم، وفي الساعات الباكرة من الفجر، استيقظت الغاليه لتؤدي صلاتها. حاولت إيقاظ أحمدو ليشاركها تلك اللحظة الروحانية، لكنه لم يستجب. مدت يدها نحو قلبه المريض، لتجد أن الحياة قد توقفت عن ذلك القلب الذي طالما أسعدها، تاركا خلفه جسدًا هامدًا وذكريات غامضة.
البحث عن النجدة
خرجت الغالية من منزلها الصغير كتائه في ليلة مقمرة، تبحث عن من يجيب صرختها. توجهت نحو المسجد القريب، حيث تجمع المصلون لصلاة الفجر. أخبرتهم بارتباكها، وسرعان ما التف حولها الجيران وبعض المارة، ليحضروا الشرطة.
عندما وصلت الشرطة إلى المكان، لم يجدوا في حوزة أحمدو سوى بطاقة تعريفه وبعض المتعلقات البسيطة كالسجائر. أما هاتفه، الذي كان رفيقه كل ليلة، فقد أخبرها أنه تركه في الشاحن، لكنه لم يأتِ به تلك الليلة، وكأن الأسرار جزء أصيل من حياة أحمدو سترافقه وإلي الأبد.

لغزٌ بلا نهاية
تحكي الغالية للشرطة: “كان يأتي كل ليلة، ثم يغادر مع أول الصباح. لم أعرف عن حياته سوى اسمه، لا أهله، ولا مكان سكنه، ولا حتى صديقًا أو قريبًا قد يدلني عليه.”

ترك أحمدو خلفه أسئلة لا إجابات لها. من كان هذا الرجل الغامض؟ ولماذا اختار أن يقضي لياليه الأخيرة في هذا المنزل البسيط؟ بقيت الغالية وحدها، تحمل ذكراه، وذكريات ليلة رعب لن تُنسى، غادر كأنما مجرد زائر في قصة أخرى لم تُروَ بعد