
وصلت أمس الأول، مكتبات نواكشوط مع تأخر سادسها: “جدل المتن والعنوان “، إصدارات جديدة للدكتور أدى ولد آدبه، ودندنت عناوين سداسية ولد آدبه حول السؤال الثقافي الموريتاني قديمه وجديده، بدء من “بناء القيم في الأمثال الحسانية” و ” موريتانيا بلاد الاستثناءات ” مرورا ب “في مرايا السؤال”، عاكسة تلك المرايا سؤال “نقد الشعر بالشعر لدى قدماء الشناقطة ” ومقدمة للجمهور الثقافي أحد أهم أعلام الثقافة الشنقيطية خلال نهاية القرن ال 18 وبداية 19″محمد (ويقي) بن سيد الأمين البوسيفي ” في خامس السداسية.
أولا: بناء القيم في الأمثال الحسانية
كتاب بدت لنا غايته تجاوز تلك الإقصائية التي تختزل التراث في ما يكتبه العلماء والمثقفون، وتنبذ -في زاوية قصية- الطبقات الأخرى التي لا تكتب تاريخها، ويتجسد هذا التغييب حسب أدي ولد آدب في “المثل” الذي يمثل وجه الديموقراطية في الثقافة الإنسانية، كونه مشاعا بين الجميع، لا ينحاز إلى طبقة اجتماعية دون أخرى، بواسطته يعبر الكل عن نفسه دونما احتكار، وقد توجه المؤلف في هذا الكتاب توجها متفردا أصبح معه المثل معجما يبني اللغة والقيم دون “تصفيح”، فغدا شاهدا وخزانا ومحافظا للتاريخ.
وقد تطلب ذلك من المؤلف أربعة فصول تمتد على مساحة ما يقارب المائة وسبعين (170) صفحة، بنى فصله الأول على بنية المجتمع الشنقيطي بين التوحد والتعدد، مقاربا بذلك مفاهيم الوحدة، والزواج، والقرابة بين النظرية والمنفعة والوراثة والولاء والمصاهرة، ليختمه بمسائل الفردانية في بعديها الإيجابي والسلبي، معرجا على قيم التعاون والتكافل والمكافأة والمجازاة، خاتما الفصل بإبراز الطبقية في المجتمع الحساني.
أما الفصل الثاني فقد خصصه للأمثال الحسانية: “مدرسة للجميع”، وفي هذا الإطار تناول الكاتب ما نطقت به تلك الأمثال بخصوص علاقة الصغير بالكبير أخذا وعمرا، وكذا مخايل الذكاء المبكر في التعلم، وعلاقة هذا الأخير بالطبع والتطبع، إضافة إلى تقديس المعلم وأخذ العلم بالقوة، ثم التعلم وعدم الانتفاع بالعلم، وطلب هذا الأخير بين التأني والعجلة، ليختم صاحب الكتاب ما نطقت به تلك الأمثال بما سماه دائرة المعارف الشاملة.
أما الفصل الثالث، فقد خصصه لفلسفة الرحيل في الأمثال الحسانية، متناولا ما ورد على لسان الموريتانيين من أمثال تتعلق بالتوطن، والانتجاع، والرعي، والضيافة، وتوقعات الخطر، والمجازفة، إضافة إلى مسائل الماء، والركوب، ومراكيب الرحيل، وتعاقب الفصول، والصبر والتسرع.
ثم انتهى الكتاب بفصل رابع تناول فيه القيم التي صنعتها الأمثال الحسانية، من نفاق وخداع وصدق وكذب وطمع وأمانة وغير ذلك مما عادل ستا وعشرين قيمة على لسان
الموريتاني مثلا بعد مثل.

ثانيا: كتاب موريتانيا بلاد الاستثناءات
يتطرق الكتاب إلى “وضع الاستثناء” التي عاشتها وتعيشها موريتانيا تاريخا ولغة وتقسيما طبقيا وإبداعا ودينا وأعرافا، استثنائية كانت تمر صامتة أمام أعين المثقفين موريتانيين وعربا ليكشف عنها أدي ولد آدب في أفق التوسع في مسائلها.
ويبدو أن تعدد مسالك البحث دفعت الكاتب إلى تقسيمه إلى ثلاثة أبواب يندرج ضمنها أربعة عشر فصلا. تناول الباب الأول الهوية الموريتانية الاستثنائية، واشتغل عليها عبر ستة فصول، أولها التسميات والألقاب بين الوفرة والطفرة، وثانيها تعدد بنية المجتمع الموريتاني وتوحده بين ثابت المتحول ومتحول الثابت، في حين ركز الفصل الثالث على مسألتي المعتقد والتمذهب، ليتطرق الفصل الرابع إلى التسيب السياسي وتدوله من خلال نقطتين مركزيتين هما نظام السيبة وسيبة النظام. أما الفصل ما قبل الأخير فقد عالج المسألة الأخلاقية بين التسييس والتكريس واضعا المؤلف بين قوسين موضحين مفهومي “عوائد المعروف ومنكر العوائد“. ليختم الفصلُ السادسُ هذا البابَ بمسألة التعلم وعلاقته بالتألم من خلال ثنائية علم البداوة الجاهلة والمدارس الراحلة.
أما الباب الثاني فقد تناول فيه قضية التعريب والتعرب تحت عنوان عريض هو تغرب التعرب، وقد جاء فصله الأول حاملا لنبرة السؤال عبر ثنائية مسار السؤال ومثاره، لتحل بعده ثنائية أخرى اضطلع بها الفصل الثاني معنونا بتشرب التعرب، وهي ثنائية رجال القواميس وقواميس الرجال، أما الفصل ما قبل الأخير فعالج ما أسماه الكاتب تعرب التنسب من خلال ثنائية أخرى هي عروبة العرق والنطق، ليختم هذا الباب بجدل الجذع والفرع وتفاعل الشعرين العربي والحساني، متطرقا إلى ثلاث جدليات: النشأتين والبنيتين والمعجمين.
وقد كان ختام الكتاب بباب ثالث يحمل عنوان تغلب التأدب، تناول فصلُه الأول قوةَ الأدب الموريتاني في عصر الضعف وانتشار التجديد وسط التقليد، وفيه تم الوقوف على نقطتين رئيستين هما: ريادة شنقيط نهضة الأدب قبل العرب، وريادتها للحداثة الشعرية نقدا للشعر بالشعر.
أما الفصل الثاني فتطرق لأسطورة لقب “المليون شاعر“، وذلك عبر ثلاث محطات كبرى هي: استثنائية التنشئة الشنقيطية الشعرية، ومغالبة بيت الشعر وبيت الزوجية، وبصمة شعر المرأة الحسانية من خلال مصطلح “التبراع“، ليأتي الفصل الختامي من هذا الكتاب مقاربا جدل الكؤوس والطقوس من خلال علاقة الشعر الحساني بالشاي، متناولا بداية تلك العلاقة وخاتما بجدل السلوى والتقوى، وبين البداية والختم تم استحضار عناصر الشاي وأدواته ومجالسه بين النخبوية والعمومية. وقد استغرق متن هذا الكتاب في معالجته لتلك المسائل حوالي مائتين وأربعين (240) صفحة من الحجم المتوسط.
ثالثا: كتاب في مرايا السؤال
يمكن تقسيم هذا الكتاب إلى ثلاثة أقسام كبرى: الأول يتناول سيرة أدي ولد آدب الحافلة بالمنجزات الشعرية والنقدية والفكرية، والثاني يتناول مواقفه الثابتة من قضايا الإنسان والعروبة والوطن والسياسة، والثالث يتطرق إلى ما يسميه الكاتب عمود الشعر الحار، وهي -كما يقول- رؤية تأسيسية تنطلق من فكرة مبتكرة سابقة سماها الأعمدة المتناسخة والتي على ضوئها تناول -في كتاب سابق- عمود الغرابة في الأدب الأندلسي.
والكتاب الذي بين أيدينا عبارة عن مقابلات مع المؤلف في أوقات مختلفة ومنابر متعددة وطنية ومغاربية وعربية، يتضمن عشرين مقابلة، تستمر متعة الحوار فيها على مدى مائتين وخمس وأربعين (245) صفحة، صدرها الكاتب بمقدمة يوضح فيها بشكل عام ملابسات هذه المقابلات.
ولأن تلك المقابلات محكومة بزمنها وأسئلة المنابر التي كانت وراءها؛ لم يكن أمام المؤلف -للأمانة- إلا أن يتركها تنطق كما وردت كما وكيفا، لكن المتصفح -كمتصفح كتاب الجمهورية لأفلاطون مثلا- يمكن أن يخرج منها بتيمات كبرى، لعل أبرزها الشعر باعتباره أكثر الأجناس الأدبية ارتباطا بروح المؤلف وقلمه، وفي هذا الإطار سمعناه يتحدث عن رؤيته للشعر الحار، وموقفه من لقب “بلاد المليون شاعر” معتبرا إياها حكما غير نقدي، كما أنصتنا إليه يتكلم عن الشعر والسياسة، وجدل الرواية بالشعر والخصام “المفتعل” بينهما، وتكلم أيضا عن صفات الشاعر واصفا إياه بطائر الفينيق دائم الانبعاث، محددا موقفه أيضا من الشعراء المتخلفين عن نصرة الحق المهدور، كما لم يخف المؤلف نقده للجنة تحكيم “أمير الشعراء” واصفا إياها بالشلة المتحكمة.
مواضيع أخرى كانت ضمن تلك المقابلات، وكان للمؤلف فيها رأيه الخاص، نذكر منها المديح النبوي الذي انتقد نمطيته التي دأب عليها شعراء المديح، ومنها أيضا القضية الفلسطينية في علاقتها بالنخب العربية الفاشلة، إلى غير ذلك من المواضيع التي تعنى بالشأن الثقافي والسياسي والإبداعي بشكل عام.

رابعا: كتاب نقد الشعر بالشعر لدى قدماء الشناقطة
كتاب من مائة وثلاث وأربعين (143) صفحة من الحجم المتوسط، موضوعه المركزي هو عينية ابن الشيخ سيدي، التي رأى فيها أدي ولد آدب منتهى ما وصل إليه نقد الشعر بالشعر في الثقافة الشعرية العربية، معتبرا إياها أجود نص كتب في هذا الباب من الناحيتين الشعرية والنقدية. نظرا لما فيها -حسب المؤلف- من ثورة وتفرد وتمرد وإبداع شعري، سعى إلى تلمسه في شخصية ابن الشيخ نفسه وبيئته ذاتها.
بعد مدخل تأسيسي فكك فيه المؤلف العنوان وركبه، استهل فصوله الأربعة بفصل نقد الشعر بالشعر عند العرب القدامى، فيما خصص الثاني لنقد الشعر بالشعر لدى قدماء الشناقطة، لينتقل إلى الفصل الثالث؛ درة البحث وجوهرته، متناولا فيه عينية ابن الشيخ سيدي وسؤال الإبداع الحداثي، وقد تم ذلك في عشر فقرات رئيسة هي عبارة عن دراسة بنيوية -إن صح التعبير- للعينية، بدأها بثورة العينية على نمطية النموذج التقليدي، وأنهاها بتسوير الحرم الشعري دون غير المبدعين. ليختم الفصل بإدراج نص العينية كاملا.
أما الفصل الرابع فقد تناول فيه المؤلف شخصية ابن الشيخ بين تبعية المريد وريادة التجديد، ليختم دراسته بأهم ما جاء فيها من نتائج.
خامسا: كتاب مْحمد “ويقي” بن سيد الأمين الكنتي البوسيفي
يندرج هذا الكتاب ضمن التراث الشعري والصوفي الموريتاني، بحيث يسعى فيه المؤلف إلى إنصاف شخصية “ويقي” المشهورة التي أريد لها -حسب تعبير أدي ولد آدب- أن تبقى مغمورة. فهو يرى في هذه الشخصية علم الأعلام البوسيفيين وقطب شاعريتها وشاعرية أسرة أهل آدب “سلالة الشعر وبيت القصيد”، كما يرى فيها صفوة صفوة تلاميذ الشيخ الكبير سيد المختار الكنتي وابنه الشيح محمد الخليفة. وهكذا تجلت غاية المؤلف من كتابه في إعادة “ال” التعريف لهذه الشخصية التي نكرت دون موجب لغوي أو علمي على حد تعبيره.
ولتحقيق هذه الغاية تناول المؤلف في حوالي مائة وأربعين (140) صفحة ست نقط رئيسة كل فقراتها تبدأ بـ: “محمد ويقي“، باستثناء الفقرة السادسة، وقد جاءت على الشكل التالي:
أولا: محمد ويقي: معرفة تأبى التنكير والتنكر،
ثانيا: محمد ويقي: عبقرية الشاعرية البوسيفية،
ثالثا: محمد ويقي: شاعر أكان؛ ربع عَزة البوسيفيين وعِزتهم،
رابعا: محمد ويقي: والشيخ سيدي قرينا الحضرة الكنتية المختارية،
خامسا: محمد ويقي: جسر الوصل بين حضرتي الشرق والغرب،
سادسا: بقايا شعر محمد ويقي: ،كيفٌ يُكثّر الكمّ.
بعد هذه النقط الست أدرج المؤلف ديوان “ويقي” تحت عنوان نصوص وفصوص، وثبت أيضا نظمه من سلسلة ورده القادري، وملحقات لنظمه لسنده القادري.
سادسا: كتاب جدل العنوان والمتن
في هذا الكتاب ينظر المؤلف إلى العنوان على أنه خطاب إبداعي منفصل ومتصل مع المتن في الوقت نفسه، بحيث تجلت عناوين المؤلفات التي ناقشها كأنها كائنات جميلة مكتملة، تغرينا بإعادة النظر فيها وإليها. ولتحقيق هذه الغاية يبني المؤلف نظرته إلى العناوين على الجدل الذي يؤسس للكتاب برمته.
ونظرة متأنية في الكتاب تظهر أنه مقسم تصوريا إلى ثلاثة محاور كبرى: قراءة في عناوين في علاقتها الجدلية مع متونها، وتقديمات لمؤلفات، وقراءة عامة في أعمال، وقد تشكل ذلك في مائة وسبعين (170) صفحة تقريبا. يبدؤها المؤلف بتأطير نظري يحدد فيه رؤيته إلى “كائنية” العنوان وطبيعة القراءة التي يجب أن يحظى بها: بصرية وبصيرية في الوقت نفسه. لينتقل بعد ذلك إلى أول عنوان تناوله بالقراءة في علاقته بالمتن وهو باقة من ألوان القلب عنوان لديوان الشاعرة أم الفضل ماء العينبين محللا بذلك الباقة وألوانها، والقلب ورحلة توقه، وذلك في أربع فقرات مستقلة.
العنوان الآخر الذي قرأه أدي ولد آدب في علاقته بالمتن هو شدو الواحة؛ عنوان ديوان الشاعرة خديجة ماء العينين، متناولا إيقاعه بين صوت المعنى ومعنى الصوت، مسافرا في متن الديوان محددا الإطار الإيقاعي الذي يجسده العنوان. كما تطرق الكتاب إلى بعض الإضاءات حول بحث الإيقاع في الشعر الحساني وهو عنوان أيضا لكتابالباحث سعيد اكويس، عالجه في خمس فقرات كبرى تنتقل بين الوزن وتصنيفاته والمصطلحات والدوائر، منتهيا بتأصيل نسب الشعر الحساني من خلال جدل مورثاته.
وبعد أن عرج أدي ولد آدب على أحد عناوين مقالاته: وداعا سميح الروح قاسم الحب والإبداع؛ حط رأس القلم على عنوان “مروا علي” للشاعر عيسى الشيخ متناولا فيه عدة نقط منها البلاغة المجنونة، ورقصة الدلالة، ولعبتي التناص وجدل الذاكرة والنسيان. ومن بين العناوين الأخرى التي تناولها أدي ولد آدب في جدلها مع المتن إيقاع غجري للدكتور خالد عبد الودود قارئا القصيدة بالعنوان، ومقدما في فقرة أخرى لديوانه اضبط نفسك على إيقاع غجري. وقد تناول فيه بعد العتبة فضاء الزمان والمكان وإطار الأوزان ومعراج البيان.
عنوان كتاب آخر كان موضوع قراءة المؤلف وهو فتنة التأويل.. المتنبي من النص إلى الخطاب للدكتور عبد الرحمان عبد السلام، مضافا إليه المقصور والممدود عنوانا لكتاب الدكتور أباي محمد محمود، ثم “لعبة الحدقي” عنوانا لرواية أحمد فال بن الدين. وطلبا للاختصار نورد بقية مواضيع الكتاب، والتي جاءت كما يلي:
– جمال الجمال.. تطابق الاسم والمسمى في شخصية الدكتور جمال ولد الحسن،
– ديوان السالمية: إعلان مدرسة إبداعية، ومضة عن دواوين الشاعر المختار السالم أحمد السالم،
– تقديم رباعيات سعيد يعقوب،
– موسوعة القصص والأقوال المأثورة.. الدرر المنشورة للأستاذ مولاي بن عبد الدايم بن انداه،
– من أنا الشاعر ووعي الناقد إلى أنوات الأنا.. قراءة أدي ولد آدب في عنوان كتاب ندوة تكريمه،
– انقلابات الذيب قراءة في رواية الشاعر أحمد ولد سيدي،
– ملحمة الجزائر الكبرى للشاعر عبد العزيز شبّين.. تداعيات سريعة.