
كتب عبد الرحمن هاشم
حسب معظم العلماء و الدراسين فإن عام 2050 م سيكون قمة الإجهاد المائي المدمر ، نعم منذ فترة طويلة و ناقوس الخطر يُدق من طرف العلماء ، دون أن يُأخذ حديثهم على محمل الجد ،خصوصا في المنطقة العربية و الأفريقية الشيء الذي جعل دولا عربية اليوم تدفع ثمن غفلتها مثل العراق و سوريا و مصر ، إذ قامت تركيا بتشييد سدود عملاقة على منابع دجلة والفرات ، فيما قامت إيران بتغيير مجرى الروافد و الأنهر كي تصب في الداخل الإيراني بدل أن تصب في العراق الذي بقي مع سوريا في مواجهة الجفاف و العجز المائي و الغذائي .
إثيوبيا أيضا قامت بتشييد سدود كثيرة أكبرها سد النهضة مما عرض مصر و السودان لخطر الإجهاد المائي و العجز الغذائي ، و اليوم غينيا كوناكري تجمد عضويتها في منظمة استثمار نهر السنغال دون أن يشكل ذلك (راص كتبه) لنا في موريتانيا التي تعيش أزمة توفير مياه الشرب أصلا و إن كان ذلك نتيجة عوامل أخرى يمكن التغلب عليها عند إصلاح الخلل و محاسبة المقصرين .
لم يعد أحد في العالم يشكك في أن الطاقة و الماء و الغذاء هي الثلاثي الذي يشكل مرتكز الحياة البشرية في قادم الأيام و الترتيب هنا ليس عشوائيا بل واعيا جدا إذ ستكون الطاقة المتجددة هي السبيل الوحيد لوجود مياه التي بدورها هي أساس وجود زراعة .
إن المتابع لشؤون دول الجوار سيكتشف حجم المشاريع المائية الهائلة ، من محطات تحلية مياه البحر عملاقة في الجزائر و المغرب ، كذلك المشروع المغربي لربط سدوده كي تصبح نهرا يشق خريطته مبددا الجفاف الذي يعصف به ، السينغال شق هائل للقنوات النهرية و توسيع لروافد ، ثم أن دولة منبع نهر السنغال غينيا كوناكري لن تكون أضعف من أن تفكر في بناء سد عاجلا أم آجلا ، و هنا أود أن أذكر القائمين على الشأن العام بأن السياسة تخاض بسوء الظن و تصور اسوء السيناريوهات المحتملة و توقعها قبل الحدوث ، ثم وضع استراتيجيات و خطط و برامج بديلة .
أعتقد بأن فتح هذا الملف على أكبر مستوى و العمل عليه بكل قدراتنا العلمية و المادية و الأمنية يجب أن يكون أمرا متجاوزا و واجبا وطنيا ساميا ، لأنه خطير جداً في أقل تقدير سيحد من فرص التحول إلى قطب صناعي في المنطقة لأن استراتيجيات غربية تقف وراء حروب الماء في أفريقيا و ذلك من أجل الحد من طموح و قدرات بعض الدول ، و مصر مثال على ذلك ، أما العراق و سوريا فالهدف هو تحويل هذه الدول إلى مستهلك تذهب آمال نفطه إلى دول تزرع من حصصه المائية .
حروب من نمط غير تقليدي تدار الآن في العالم من حولنا دون أن ندرك أهميتها مثل حروب الاستمطار إذ تتهم الهند الصين بسرقة حصصها من المُزن مما يشكل خطراً على أمنها المائي ، كذلك تتهم السودان الإمارات بدعم قوات الدعم السريعة في الحرب بواسطة الاستمطار و إغراق و إعاقة تقدم الجيش السوداني ، و اسبانيا تكرر قلقها من عمليات الاستمطار المغربية و تونس تستنجد باندونيسيا في عملية الاستمطار .
أعرف بأن الكثير منكم سيقول بأنه ضار و هنا نقول بأنه أصبح سلاح ضروري يستخدم في مجالات منها الحرب، ثم أن امتلاك هذه التقنية الحديثة ضروري و الاستغناء عن أي بلد آخر يمكنه بكل سهولة تلوث اراضيك ،طبعا مع الوقت العلماء سيتجاوزون السلبيات بكل تأكيد لذلك أرجو من الحكومة إرسال بعثات دراسية في هذا المجال المهم .
العمل الذي يتطلبه الموقف الوطني هو إستراتيجية تمر مراحل ثلاثة ،قريبة ،ومتوسطة ،و طويلة المدى ، فقط الإرادة السياسية و الإصرار و العزيمة ستكون ضمان لنجاحنا ثم إبعاد هذا الملف عن المحاصصة السياسية لأن الكفاءة المهنية و الخبرة هي أسس النجاح السليمة .
أعتقد حسب معرفتي بضفة النهر و خبايا الأمن المائي توجد ثلاث مشاريع اليوم أصبحت ضرورية لضمان أمننا المائي و مواجهة خطر الفيضانات .
1- شق قناة من بوكي إلى اكرارة ألاك كي نحصل على مساحات زراعية جديدة و تزويد خزان البحيرة الجوفية .
2- العمل مع مالي من أجل تعميق رافد كركور بحيث يشكل متنفسا لزيادة مياه النهر الموسمية
و حصولنا على مساحات زراعية جديدة مع مياه يمكن أن تجعل من كنكوصة قطبا سياحيا و زراعيا .
3- شق قناة النجاة التي يجب أن يكون موقعها بين رافد كوركل و سد فم لكليته تسهم في حماية كيهيدي عند إرتفاع منسوب مياه النهر و حماية السد أيضا عند تجاوز القدرة التخزينية له كما يجب أن يتم توجيه هذه القناة إلى مثلث الفقر كي يصبح مثلث أمل زراعة و تنمية .
* أما مشاريع تشييد السدود و التحكم في كل قطرة مياه موسمية و دعم تصنيع معدات الطاقة الشمسية و توطينها مع جلب تكنولوجيا تحلية المياه من البحر و غيرها من المشاريع التي يدخل التعليم العالي والبحث العلمي و الإستثمار في توطينها فهي معركة أخرى يجب رسم معالمها و جعلها أولوية وطنية تشكل صمام أمان لنا .