
كتب عبد الله معلوم
2.19 مليون، موريتاني يستخدم الأنترنت، (يناير 2024)، نصف شعب موريتانيا يلِجُ هذا الفضاء السبراني، ويُؤسسون بذلك لإنسان”موريسبوكي” جديد، يتجاوزُ الحدود الضيقة لقريته الطّينية، ليلتَحِم وإلى الأبد بإنسان القرية الكونية، ويعيش في عِناق حميم مع “الحرية “الزرقاء”، ويُحققون بذلك ما عجزوا عنه في واقعهم، ولكل منّا خيباته وطُموحاته وآماله، ولكل رُكنٍ من وطننا المُترامي الأطرافِ قصّته الحزينة والجميلة في آن.
نَفير عشوائي..
ان الواقع الصعب والأوضاع المُزرية التي صهرتنا في العالم الثالث، والدّول العربية والاسلامية تحديدا، صيّرتنا الى هشاشة، فَالظُّلْمُ والْغبْنُ والْحَيْفُ والتَّخَلُّفُ والْعُزْلَةُ، داخل أسوار الدولة القِطرية، وضعف التكوين والكبت ُونُمُوّ التطرف وفلسفة الكراهية التي تُنْتَجُ داخل هذه الدولة، كل ذلك مجتمعا شكّلَ من مواقع التواصل الاجتماعي، فردوسنا المفقود، ومُنتج على مقاس حرماننا وعقدنا، فكان نفير موريتانيا الى الفيسبوك.
صداقة سبرانية..
ونحن في صداقاتنا السبرانية، نُقيم مُجتمعا آخر، شبيها بمجتمعاتنا الواقعية، ويتجاوزها، ونفضح سرائرنا عن قصد، قبل أن تُبلى، لنتشكّل من جديد، كمُنتمين لعالم “مارك “الأزرق، عالم البُوح والسُّفور والغِواية. والصداقة بالحساب الشخصي، تختلف عنها في المجموعة والصفحة وان قدّرَ “مارك” إمكانية إضافتي لأي مجموعة دون ارادة مني، مَنَحَنِي حُريةً تامةً في الغائها، مع احراجات الانسحاب أمام عيون الأعضاء.
حساب شخصي..
والحساب الشخصي، وسيط الصداقة، لا يَشترط انسجاما ولا تنافرا بين الصديقين، (وصل مستخدمي فيسبوك في موريتانيا، 1.10 مليون عام 2024)، ويُتيح حرية فيما تعرضه تدوينة الصديق. فالتعليق لا يعني اعجابا، والاعجاب بتدوينتي، ليس اعجابا بشخصي، وان تداخلا، والمشاركة، بما تُحيل اليه من معنى لا يتوقف عنده فعل المشاركة ضرورة، فقد أُشارك لأنسفَ بكلماتي المُصاحبة للمشاركة، التدوينة لا صاحبها.
تحديد مفاهيم..
وصداقتنا فرصة لأكتشفك، لا لأتبناك أو تقودني، وأحسك لا أن أكونك، وأفهمك لا أن تغزو بي، فلا غزو في “الفيسبوك “، ولا قيادة فيه. قد يُدوّن الفرد منا، بكلمات المنشور الحزبي، أو الاجتماع القبلي أو الصّرخة الطبقية أو اللّمة الأُسرية، فيُمرر هو رسالة مِن خلال، مَنْ هم غير معنيين بها، ويراهُم هدفا للتدوينة ويرونها تُغرّدُ خارج سربها.
رصيد “الموريسبوكي”..
يرصد “الموريسبوكي” آلاف الأصدقاء والمتابعين والمعجبين لحسابه، بسياسة محكمة لتنمية هذا الرصيد، تعويضا عن الرصيد في الحساب البنكي أو التاريخي أو الاجتماعي أو السياسي. وهذا الجهد الكبير قد ضيع وجهته، فاليومي والقادم أولى به. يستطيع أن يُحقق تنمية ذاتية بهذا الزمن المهدور، وهو لم يُغادر حسابه الذي أبهره سرعة تناميه، ان تدرب لذلك وخطط، كصانع مُحتوى، يعرف ما يُريد.
الإنسان المُتّصِل..
“الموريسبوكي” اليوم تستغرقه الشبكة، وفجأة وجد نفسه لأول مرة في التاريخ مُهاجرا وهو بين أخوته ووالديه، وزوجه وأبنائه، قذف به تدفق لوسائط معلومات هائل لمضارب أدهشته، وصيّرته انسانا مُتّصِلا بالشبكة فاقد المناعة، هكذا وفي مرة واحدة مغتربا في نفسه، وشارك “الموريسبوكي” العالم ما يُحسنه، فطفق يُمارس هواياته، يَهذي بأمجاد أعلام نكّرها تأخره هُوّ، عن ركب حضارة ومسار كوْن.
المسار الكوْني..
لقرية الكونية، لا دين لها، ونحن نُقدّم النسخة الأقل رواجا والأكثر تشويشا لدين أراد الله له، أن يكون للناس كافة، وأنزله “عَرَبِيًّا مُبِينًا “، فهذا الخواء الروحي لا يطاق، وأهل الضّاد غير جذابين في زماننا، فكيف عجزنا أن نُمارس دعوة تفْهم العصر وتسايره دون أن تَحيد عن مدار الحق، وآفاق الكون تضُجُّ، وال (سيلفي Selfie) تصرخ بآياته.
من التيه الى السوق
الكثير في آسيا وافريقيا استطاعوا أن يتجاوزوا مرحلة الصدمة والعشوائية في تعاملهم مع شبكات التواصل الاجتماعي (الشو شيال ميديا)، وتوجهوا، بتأطير من الانترنت نفسه أو حتى استراتيجيات من دولهم، الى عالم التجارة الالكترونية (موريتانيا في المرتبة 145 عالميا والمرتبة 20 عربيا، حسب مؤشر الأونكتاد عن التجارة الإلكترونية)، وهذا التوجه هو ما نحتاجه، للرجوع من هذا التيه.
تمكين كوني
هناك سوق كوْني يتمدد، يوجد الآن 4.74 مليار مستخدم للشوشيال ميديا نشط في العالم. يقضي الفرد كمتوسط 2 ساعة و27 دقيقة عليها يوميًا، 10 مليارات ساعة شوشيال ميديا في 24 ساعة، ما يعادل نحو 1.2 مليون سنة من عمر الوجود البشري. وبمهارات تقنية عالية، يُمكن ولوج مليون موريتاني، لهذا السوق الكوني الضخم، والغير مسبوق وخلق تمكين اقتصادي “موريسبوكي” فذ.
- عبد الله معلوم، مهندس ومدون موريتاني.( مقال سبق نشره ،مُعالج مع اضافات جديدة)
