
كتب عبد الرحمن هاشم
ليلها طويل جامح كجدائل العامرية وحكايات شهرزاد، ونهارها صاخب ذابل مُترع بأحاديث الباعة ممن خضّب الوجع منهم الكف والبنان، وانضجت الشمس منهم الجلد والقوام وعَفَرَ واقع التدجين أنوفهم بوحل الأرصدة المقنّعة وظل المشاريع المُكيّفة.
نواكشوط، المدينة النائمة في خدر المحيط، متوثبة لمعانقة الصحراء، كلما تعرت الشمس، كي تغسل عرَق المسافة الفاصلة بين الشروق والغروب، تخرج من الأحقاف عنيدة ومشاغبة تجنح مع كل قطرة ماء تعرج إلى عوالم الانتظار، حيث مَوْر السحاب صك غفران لمن اوجدهم العبور نحو شواطئ الملح والحديد والذهب والنحاس والجبس والبنزين.
عُمْر ليس بالطويل ذلك الذي احرزته، نواكشوط، أُحجية مُخططها الفرنسي ساهوك (سيوارى جثمان جان ساهوك (96عاما)، يوم غد الثلاثاء 04 فبراير ، في مقبرة فيلبريمييه بمدينة مونتوبان الفرنسية)، ومُشتهى الرمل وطلسم البحر، غِواية الأجسام المتحركة باتجاه واحد، يفضي إلى نصف وطن يرزح تحت وطأة الفاقة وتنجيم مُفسّري الأحلام من سدنة الدف والمسبحة والحافر.
لونها لون الصمغ والطين والرحيل تتمدد كأسطورة نحاسية رتيبة، ومعها فجر يُغادر وشمس مصفّدة بسلاسل الغياب تُودع المُلتحفين ما زرعوا منذ المسيرة، أزقة وأحياء الضجر والعجز مكدسة على بعضها، نصف يُسبّح باسم الرعد والبرق الذي لاح في انحائهم الباذخة، ونصف ينكر انتماؤه ويصدق موته من الأزمنة الساحقة، وعام الرمادة المخيم في الذاكرة والحي الملتحف بضمير مستتر تقديره وطن يرقص على ظله.
مطحونة بائعة الكسكس، في نواكشوط، حين تمسي وحين تصبح وعظيمة هي عندما تحفر نبضها بتبريعة، تختصر قصة كفاح مرير يعلو الجبين بشرف، وقصة هروب من السهول النائمة بكف الجدب الماحق، من رياح السموم عندما تتعرى كي تزرع الرعب بتلك آدوابه.
في نواكشوط، حيث شظف العيش وصعوبة التنفس، تصبح الأجساد المهجورة كهوفا تتوارى فيها مُهج وأرواح معذبة في كبير هو الانتماء، هوية مشوهة وانتماء تخاله كاذبا، وقطار المدينة المغلقة على غَيّها تحرّكَ، يحمل أباطرة الدجل وسدنة الودع والمحار وحنطة مسروقة، نحو ضفاف الحرير الناعم والكأس الممرد بعرق الجياع وتجاعيد الشيخوخة المُبكّرة.