
قبس ـ خاص
انطلقت أمس الثلاثاء، في العاصمة الموريتانية نواكشوط، فعاليات المؤتمر القاري حول التعليم والشباب بمشاركة رؤساء وقادة رؤساء دول افريقية، ووزراء تعليم من مختلف الدول الافريقية.
“قبس الاخباري” تابع التغطية الاعلامية الرسمية للمؤسسات الاعلامية الثلاث في موريتانيا، ورصدت في التقرير التالي نقاط القصور وضبابية التخطيط الاخباري في هذه المؤسسات من منظور صحفيين موريتانيين يُديرون مؤسسات إعلامية خاصة وبعضهم يتولى التخطيط الإخباري وإنتاج القصص الصحفية في مؤسسات دولية معروفة.
ويرى سيد محمد الطلبة؛ وهو صحفي موريتاني مقيم في مدريد؛ حيث يُراسل منها قناة ” فرانس 24 ” أن “إعلام الخدمة العمومية في موريتانيا (وكالة؛ إذاعة؛ تلفزيون) يعاني من مشكلات متجذرة مشابهة لما يعانيه الإعلام العمومي بشكل عام، حيث يبدو أن هذا النوع من الإخفاق يتكرر بشكل دائم.؛ وفي المقابل، يُلاحظ أن هناك مدونون ينشطون على شبكات التواصل الاجتماعي باسم الحكومة، وقد تكون مصداقيتهم، في بعض الأحيان، أقوى من مصداقية الجهات الرسمية نفسها، وهو أمر يعلمه الجميع”.

”AMI” آخر من يعلم..
نشرت الوكالة الموريتانية للأنباء (رسمية) -عبر موقعها.. AMI.MR أول خبر عن القمة التي أعلنت عنها الحكومة الموريتانية منذ اكثر من شهرين وينتظر توصياتها أكثر من خمسين وزير تربية وتعليم في أكثر من خمسين دولة إفريقية- أول خبر عن المؤتمر في حدود منتصف يوم الثلاثاء؛ أي يوم الحدث.
لكن المعضلة الحقيقة التي تقف في وجه تغطيات مهنية وبأسلوب عصري في غرفة أخبار الوكالة الموريتانية للأنباء، حسب مهتمين بالإعلام وقفت ” قبس ” على آرائهم حول أداء هذه المؤسسة التي تأسست سنة 1975؛ هي ضعف الكادر البشري المدرب.
ويتفق أغلب من وقفنا على آرائهم من الصحفيين الموريتانيين سواء من يعملون في الداخل أوفي مؤسسات إعلامية دولية أن “أغلب صحافة هذه المؤسسة تنقصهم مهارات العصر حيث مازال صحفيو الوكالة ينتظرون انتهاء المسؤول الحكومي من القاء خطابات افتتاح الأنشطة الرسمية لتحرير خبر عن الحدث وانتظار أن يُفرغ المصور الذي يرافق المحرر المنتدب للتغطية صوره ويختار منها رئيس التحرير في قاعة تحرير الوكالة أي الصور يظهر فيها المسؤول الحكومي الذي افتتح النشاط بشكل جيد”.
ويُنبه عبد الله سيديا؛ الصحفي الموريتاني المقيم في لندن؛ أن “عمل الوكالة في القمم الإقليمية وبسبب تسليط الأضواء أكثر على وسائل الإعلام الرسمية؛ يظهر للعلن حجم الضعف والتخبط المهني لهذه الوسائل، حيث تجد وسائل الإعلام الأجنبية معضلة حقيقية في الاعتماد على الوكالة الموريتانية للأنباء مثلا كمصدر للأخبار لأن الوكالة لا تغطي الحدث بقدر ما تغطي نشاطا لمسؤول”.

الموريتانية.. احتكار الصورة الرسمية
جرت العادة في موريتانيا أن يتعامل منظمو الأنشطة الرسمية في البلد بكثير من الأريحية مع وسائل إعلام الخدمة العمومية؛ فبالنسبة لهم تُمثل هذه المؤسسات (الوكالة؛ التلفزيون؛ الإذاعة) وسائل إعلام الدولة التي بدونها لن يعلم المسؤول الأول في القطاع المعني بالنشاط بقيمة عملهم؛ ولا بالمجهود الذي بُذل من أجل تنظيم هذه الندوة أو تلك الورشة أو ذلك التدشين.
ويرى المدير الناشر لوكالة الأخبار المستقلة؛ الهيبة الشيخ سيداتي أن “لإعلام الخدمة العمومية نقاط قوة يتميز بها؛ تتمثل اساساً في احتكاره للمعلومة الرسمية والصور الرسمية فهو الذي يحتكر الصور في المطار وفي الغرف المغلقة ويترك لبقية وسائل الإعلام الصور في القاعات المفتوحة وفي جلسات الافتتاح المرتبة “
ويضيف الهيبة في تصريح ل ” قبس الإخباري ” أنه من نقاط قوة الإعلام العمومي كذلك؛ امكاناته المادية والبشرية التي تُسخر عادة لمثل هذه المؤتمرات و القمم ؛ التي يحلُ فيها عدد من رؤساء العالم ضيوفا على البلد.
حارس البوابة
يسود اعتقاد في أروقة مؤسسات الإعلام العمومي أن الهدف من وراء عمل هذه المرافق هو تمجيد الحاكم وتقديم صورة وردية عن حكومات البلد المتعاقبة؛ وأن هناك ” مشاهد أوحد ” يجب إرضاؤه.
ويقول الهيبة الشيخ سيداتي المدير الناشر لوكالة الأخبار المستقلة؛ إن من بين “نقاط ضعفه الاعلام العمومي في موريتانيا؛ انه اعلام مايزال يُعمل نظرية حارس البوابة فيرتب الاخبار ترتيبا لبروتوكولات يفقد الخبر قيمته وحيويته”
لكن المشكلة حسب الصحفي سيديا أن ” تراكمية الرداءة تجعل هؤلاء الصحفيين غير قادرين على البحث والتقصي وجمع المعلومات وكتابة القصاصات الإخبارية بالشكل الصحيح، ثم إنهم لا يحصلون على التدريب اللازم للحصول على المهارات المطلوبة ومجاراة العالم من حولهم”.
في عصرنا هذا لم يعد المواطن الموريتاني ينتظر نشرة المساء في التلفزيون أو الإذاعة من أجل أن يتابع جديد أحداث وطنه؛ لقد عصفت التكنلوجيا والإعلام الالكتروني الحديث بقواعد اللعبة؛ يضيف الخبير. أن إعلام الخدمة العمومية ما زال “يُعمل نظرية حارس البوابة فيرتب الاخبار ترتيبا لبروتوكولات يفقد الخبر قيمته وحيويته ومنها ضعف التكوين لدى طواقمه”
كما يُنبه الهيبة إلى ظاهرة ” انعدام المبادرة في أدبيات العمل في هذه المؤسسات؛ فمثلا لن تجد أي مقابلة مع رئيس ضيف؛ ربما لأن مديرا في إحدى هذه المؤسسات لم يطلب ذلك”.

إذاعة نواكشوط حنين للتسعينيات
مازالت إذاعة موريتانيا تبث على أثير لا يستقبل تردده جمهور اليوم؛ ورغم كل الإمكانيات المادية التي تسبح فيها هذه المؤسسة العريقة إلا أن محدودية تأثير نشراتها وبرامجها وإنتاجها الذي يتنوع بين المسموع والمرئي والسوشيل ميديا يجعل التفكير في جدوائية إنفاق مليارات الأوقية سنويا محل نقاش بين واضعي السياسات الإعلامية الرسمية في موريتانيا.
ويُشخص عبد الله سيديا؛ الصحفي الموريتاني المقيم في لندن؛ مشكلة وسائل الإعلام الرسمية في موريتانيا بقوله” لا تستطيع الخروج من جلباب المسؤول ويعتقد غالبية العاملين في هذه الوسائل أن وظيفتهم ليست العمل الصحفي المعروف إنما تغطية أنشطة المسؤول حصرا”.
يقول الصحفي محمد حمدو، المقيم في المغرب، إن “الإعلام الرسمي يعاني من أزمة في المهنية عند تغطيته للمؤتمرات و القمم السياسية، حيث يعتمد على أساليب تقليدية عتيقة تركز على تتبع المسؤولين بشكل شخصي بدلاً من تقديم محتوى يعكس عمق الحدث”.
ويرى حمدو أن “الإعلام الرسمي ينظر إلى المسؤول باعتباره الخبر الأهم، متجاهلًا القضايا الأخرى، فتُسلط الأضواء على تفاصيل حركاته واهتماماته الشخصية بدلاً من التركيز على القضايا الحقيقية”.
وقال: إن “إصلاح الإعلام العمومي يحتاج إلى إرادة تغيير حقيقية تبدأ من قمة الهرم وتمتد إلى بقية الهيكل، لتحرره من إرث الأساليب التقليدية التي تعود إلى عقود مضت”.
تحتفظ الإذاعة بنفس النمط التقليدي في التغطيات وكأن عجلة الزمن توقفت في تسعينيات القرن الماضي؛ إذ يقف الصحفي المنتدب للتغطية مُحاطا بزملائه من اللغات الوطنية ليدخل في نوبة مراسلات تتخللها معلومات من ويكيبديا؛ وحين يتعب يُمرر ميكرفون الإذاعة إلى بقية الزملاء ليقدموا ترجمة لنفس السردية؛ وفي المحصلة لا تصل مجمل مشاهدات هذه التغطيات التي تتواصل أحيانا لساعات سوى لعشرات المواطنين على صفحة الإذاعة على الفيسبوك مثلا.
ورغم استحداث قطاعات للإعلام الحديث في السنوات الأخيرة في إذاعة موريتانيا؛ يرى صحفي في هذه المؤسسة فضل عدم الكشف عن هويته لدواعي مهنية أن ” عدم تجانس الأجيال ووفرة الكم على حساب الكيف حول هذه المؤسسة إلى صندوق معاشات كبير يقوم بدور اجتماعي للدولة دون أن يُنتظر من العاملين فيه أي إنتاج يُبرر وجودهم من الأساس “.
ورغم أسطول السيارات رباعيات الدفع وجيش الصحفيين والفنيين المتوثبين للعمل؛ لم تُجري إذاعة موريتانيا مقابلات حصرية مع رؤساء كانوا على بعد أمتار منهم؛ ولم يتعرف مستمعو هذه الخدمة على أجندة المؤتمر ولا على توصياته التي تنتظرها إفريقيا وتم طبخها في مرجل يقع على بعد فراسخ من مقر الإذاعة التي مازال مبناها العتيق يرقب توجهات ديوان الرئاسة؛ حول أي نشاط يحضره الرئيس بوجل مخافة أن يُخطئ في تفكيك رموز لم يُرد منه فك طلاسمها.

المكتب الرئاسي “وُلد ميتا “
أثار هذا المكتب من الجدل بفعل أعماله الموسومة بشعاره أكثر مما جلب لساكن القصر من مردودية كانت تُنتظر منه؛ مذ أن استحدثه الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني بعيد تسلمه لمقاليد الحكم في أغسطس 2019.
وعن نشأة هذا المكتب؛ يعتقد الصحفي عبد الله سيديا ” أنه ولد ميتا لأن طاقمه باستثناءات محدودة لا علاقة له بمهنة الصحافة ولا يعلمون ما المطلوب منهم؛ بالضبط تماما كما لا تعلم الوكالة والإذاعة والتلفزيون كيفية تغطية المؤتمرات والقمم والأنشطة الرسمية تغطية مهنية متوازنة”.
ويرى البعض أن آلية اختيار أعضاء هذا المكتب تحمل في طياتها بذور فنائه؛ إذ أنه يفتقد للتجانس؛ كما أن روح الفريق تنعدم في أروقة مكاتبه وحسب مهتمين بسياقات نشأته فإن إكراهات الواقع الموريتاني وانعدام معايير اكتتاب واضحة لأعضائه أسهمت في خروج أعماله بهذا الشكل الباهت؛ إذ نادرا ما يسلم من انتقاد جمهور وسائل التواصل الاجتماعي بسبب غياب معلومة أو تأخر نشر خبر وأحيانا بفعل طغيان نشاط أعضائه في وسائل التواصل الاجتماعي على عمل المكتب نفسه.
ورغم امتلاك المكتب لأدوات انتاج متطورة؛ تم اقتنائها مؤخرا؛ إلا أن رئاسة ولد الغزواني للاتحاد الافريقي وما رافقها من أنشطة رئاسية أظهرت عدم تناغم الفريق مما أدى إلى ظهور مخرجاته بهذا الشكل.
ويشير الطلبة إلى جزئية مهمة؛ وهي أنه “بدلاً من أن يصبح التنوع والثراء في وسائل الإعلام الحكومية مصدر قوة، تحول إلى نقطة ضعف بسبب التداخلات والتقاطعات بين المؤسسات المختلفة مثل المكتب الإعلامي للرئاسة، ووكالة الأنباء، والتلفزة، والإذاعة. هذه الفوضى التنظيمية تُعد سببًا رئيسيًا في ضعف الأداء الإعلامي الرسمي”.