
قبس ـ خــاص
على قارعة الطريق، وبين أزقة ضيقة تقود إلى سوق يعرف باسم سوق “المطلقات” في مقاطعة تيارت بولاية نواكشوط الشمالية؛ تجلس السالكة محمد الأمين أمام دكانها الصغير، تعد الشاي، وتحكي بحسرة كيف أن (جسر الحي الساكن)، الذي طالما انتظرته العاصمة نواكشوط كرمز للتطور الحضري، بات نقمة على رزقها ورزق جاراتها.
تقول السالكة: “إغلاق الشارع المؤدي إلى السوق قطع رزقنا، كنا نعتمد على السيارات والمارة الذين يجلبهم الطريق. الآن لا أحد يرانا، وكل زبون جديد يجد نفسه في متاهة”.
إلى جانبها، جلست فاطمة بنت نوح، تشير بيدها في الهواء وكأنها تطلب صمتًا من الجميع لتقول بنبرة أقرب إلى العتب: حتى إذا جاء زبون واشترى، لا يجد سيارة نقل لتوصيله إلى وجهته.

الجسر بين الإنجاز والتعطيل
دُشّن جسر “الحي الساكن” الاثنين، الماضي من قبل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني. مشروع يُعد الأول من نوعه في العاصمة من حيث الحجم، يمتد بطول 200 متر وبعرض 12 مترًا، وبارتفاع 7 أمتار، إضافة إلى جسر وصول بطول 71 مترًا. وبتكلفة بلغت 3 مليارات و185 مليون أوقية، والتي من المفترض “حسب الحكومة” أن يُحدث نقلة نوعية في تخفيف الاختناق المروري في مقاطعة دار النعيم والمناطق المجاورة.
لكن بين لحظة وضع حجر الأساس في يونيو 2021 ولحظة قص الشريط في 2025، كانت هناك سنوات من التعطيل والجدل.
تعطيل وهروب
في البداية، تعاقدت الحكومة مع شركتين صينيتين هما “بولي شانغدا” و”ليوواندا” لتنفيذ المشروع. إلا أن الأخيرة تخلت عن العمل، مما أدى إلى فسخ العقد وتأخير التنفيذ.
الشركة الصينية لم تكن مجرد مقاول متباطئ، بل أصبحت جزءًا من عملية أحاطت بالمشروع، إذ لم تتم محاسبة الوسطاء المحليين الذين توسطوا للتعاقد معها.
ثمن التأخير
ظل الطريق المفصلي بين الاتحادية وصكوك مغلقًا لأكثر من ثلاث سنوات ونصف، بسبب أشغال الجسر مما فرض حصارًا خانقًا على السكان وأثر بشكل مباشر على حياتهم، خصوصًا أصحاب المحلات التجارية والأسواق المجاورة، مثل سوق “المطلقات”.
تقول السالكة، (40سنة) إن “إيجار الدكاكين يصل إلى 50 ألف أوقية شهريًا، دون أن يدر عليها هذا المبلغ أرباحًا كافية لتغطية التكاليف”.
وتضيف السالكة بحسرة” نحن بلا ماء هنا، نجلبه في القناني من أماكن بعيدة، ورغم كل هذا، صمدنا في وجه الظروف. لكن الجسر كان القشة التي قسمت ظهر بعير الحكومة”.
وجهات نظر متباينة
يرى الصحفي سيدي محمد المصطفى أن المشروع، “رغم التأخير والجدل، يُعد إنجازًا يمكن للحكومة أن تفتخر به”، مشيرًا إلى أنه سيسهم في تحسين حركة المرور في العاصمة”.
أما مدير المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية، صبحي ودادي، يطرح تساؤلات حول جدوائية المشروع، مؤكدًا أن البنية التحتية يجب أن تُقيم بناءً على تأثيرها العام على الاقتصاد الوطني، وليس فقط على أساس تكلفتها أو موعد إنجازها.
وأضاف ودادي: في بلد مثل موريتانيا، تُصبح مشاريع البنية التحتية وسيلة لتحقيق المكاسب الخاصة، بسبب ضعف الرقابة وعدم دقة الدراسات المبدئية-.

جسر أم محول؟
مع تقدم الأشغال في (الجسر) شب نقاش من نوع آخر داخل مجموعات واتسابية من المهندسين المدنيين في موريتانيا حول دقة وصف المشروع بالجسر وهل المعايير الفنية للجسور تنطبق على المنشأة التي أثارت الجدل قبل وأثناء وبعد الانتهاء من هذه المعلمة الطرقية حسب؛ المهندس أحمد س (الذي فضل عدم الكشف عن هويته لواجب تحفظ يُمليه عليه مركزه القانوني ).
ويوضح المهندس أحمد لـ ” قبس ” الفرق بين الجسر والمُحول بقوله ” الجسر أو القنطرة؛ هو مُنشأ يُستخدم للعبور من مكان إلى آخر بينهما عائق. هذا هو ما تعلمناه في مدارس المهندسين؛ ما تم تدشينه في دوار الحي الساكن قبل أيام هو مُحول طرقي؛ حسب ابجديات تصميم وتنفيذ المنشئات الطرقية.”
ويضيف المهندس” تُبنى الجسور من الخرسانة المسلحة أو الصلب؛ ويُصممها مهندس مدني على عكس المباني” .
ورغم ذلك أعاد الجسر أو المحول ربط مقاطعتي دار النعيم مع جارتها تيارت.
وطرحت المنشأة تساؤلات من نوع آخر؛ حول كفاءة إدارة المشروع وشفافية مراحله التنفيذية لا تزال قائمة. حيث يطرح سؤالا هل كان من الممكن إنجاز الجسر بسرعة أكبر وبتكلفة أقل؟ وهل استفاد المواطن العادي من المشروع، أم أنه ضحية أخرى ضمن حسابات أوسع؟
على أعتاب سوق المطلقات، «التبتبات» ما زالت السالكة وفاطمة وغيرهما من التجار يحاولون التكيف مع واقع جديد فرضه جسر يتوسط المشهد، لكنه لا يبدو حتى الآن جزءًا من الحل الذي قد تعبر من خلاله السيدتان نحو مستقبل أفضل لمحليهما في سوق تعتمد على حركيته العديد من نساء تيارت.