
كتب محمد يحيى \اجيد\ الشيخ
في المجتمعات التي تعاني من هشاشة الوعي السياسي تتحوّل النخبة التي يُفترض أن تكون طليعة الإصلاح والتغيير إلى أداة لتكريس الاستبداد وإعادة إنتاج منظومة الهيمنة.
وهكذا نجد أنفسنا أمام مشهد متكرر حيث تتزاحم هذه النخب في طوابير طويلة لاستقبال القادة والزعماء ليس عن قناعة حقيقية بقدراتهم القيادية وإنما استجابة لمصالح شخصية ضيقة أو خوفًا من تبعات الوقوف على الهامش في مسرح الولاء الأعمى.
الانتماء السياسي في المجتمعات الديمقراطية يقوم على الاقتناع حيث يكون دعم القادة مبنيًا على برامجهم وإسهاماتهم في تحسين حياة المواطنين. أما في المجتمعات التي لم تنضج سياسيًا يتحوّل الولاء إلى نوع من التجارة حيث تصطفّ النخب لحجز أماكنها في مقدمة المصفقين متخذة من العامة وقودًا لإضفاء مشروعية زائفة على الحاكم. وهؤلاء العامة الذين يعانون من الفقر والتهميش يُستخدمون كأدوات في هذه المسرحية السياسية حيث تُشترى ولاءاتهم بلقمة العيش أو بالخوف من المجهول أو بالوعود الكاذبة التي لا تتحقق.
حين تتحوّل السياسة إلى سوق تصبح القيم مثل الكرامة والحرية مجرد شعارات لا مكان لها على أرض الواقع. الفقراء والمحرومون يجدون أنفسهم في وضع لا يسمح لهم برفض الإملاءات فهم بين نار الحاجة المادية وسلطة ترهيب تمنعهم من اتخاذ موقف مستقل. أما النخب التي يُفترض أن تدافع عنهم فإنها بدلًا من ذلك تستغل ضعفهم وتجعل منهم رأس مال سياسي تتاجر به في أسواق الولاء فتصطفّ في الميادين وتملأ الشوارع باللافتات التي تمجّد الحاكم وتحتفي باسمه متجاهلة كل المظالم التي يئنّ تحتها الشعب.
النخب في أي مجتمع إما أن تكون أداة للنهوض أو سببًا في الانحدار. وحين تتحوّل إلى أبواق للسلطة فإنها تفقد دورها التنويري وتتحوّل إلى جزء من المشكلة بدلًا من أن تكون جزءًا من الحل. إن النخب الحقيقية هي تلك التي تعمل على توعية الشعوب لا التي تستغل جهلهم وضعفهم لتحقيق مكاسب شخصية.
الشعوب التي تتزاحم نخبها في طوابير الولاء وتتنافس في كتابة لافتات التمجيد هي شعوب محكوم عليها بالضياع والتخلّف. فهي لا تملك إرادتها ولا تستطيع تحديد مصيرها لأن قراراتها تُصنع في دوائر مغلقة تحكمها المصالح الضيقة لا المصلحة العامة. ومثل هذه الشعوب ستظلّ دائمًا في المؤخرة تتلقّى الفُتات وتُستغلّ في كل دورة سياسية جديدة دون أن يكون لها صوت حقيقي في رسم مستقبلها.
رغم هذا الواقع القاتم يبقى الأمل في أن تدرك الشعوب أن الكرامة والحرية ليستا منحة من الحاكم بل حقوق يجب انتزاعها بالأساليب المشروعة والنضالات السلمية. وأن تدرك النخب الشريفة أن دورها ليس الاصطفاف في طوابير التمجيد بل في خلق وعي سياسي يجعل السلطة أداة لخدمة الناس لا وسيلة لإذلالهم. حينها فقط يمكن أن يتحرّر الشعب من دوامة الولاء الأعمى ويبدأ في صناعة مصيره بنفسه.
——————
محمد يحيى ول اجيد ول الشيخ ، مدير العلاقات الخارجية بالجمعية الوطنية سابقا