بحسب المعطيات، يتعرض ثلث نساء العالم لعنف الشريك أو للعنف الجنسي من قبل غير الشريك أو كلاهما، مرة واحدة على الأقل في حياتهن. وتُقتل 136 امرأة على يد أحد أفراد العائلة يوميا. فكيف ينتهي العنف ضد المرأة وما هي مسؤولية الرجال؟ أسئلة يجيب عنه السيد محمد الناصري، مستشار المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، في هذا الحوار بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة.
ويتزامن اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة مع تدشين حملة “16 يوما من الحراك ضد العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي” – الحملة بعنوان “لوّن العالم برتقاليا: فلننهِ العنف ضد المرأة الآن!”.
تنطلق الحملة السنوية يوم الخميس 25 تشرين الثاني/نوفمبر (وهو اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة) وتختتم في 10 كانون الأول/ديسمبر (اليوم العالمي لحقوق الإنسان).
في هذا الحوار عبر تقنية الفيديو، يخبرنا السيد محمد الناصري، المستشار الخاص للمديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، عن الحملة وعن اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة.
أخبار الأمم المتحدة: في البداية حدّثنا أكثر عن حملة “لوّن العالم برتقاليا: فلننه العنف ضد المرأة الآن!” وما يميزها هذا العام.
محمد الناصري: هي حملة لمناهضة العنف ضد المرأة وأي عنف قائم على النوع الاجتماعي، هذا العام هو العام 30 لتدشين هذه الحملة السنوية، بداية من 25 من تشرين الثاني/نوفمبر إلى 10 كانون الأول/ديسمبر، وتبدأ بأنشطة على الصعيد العالمي لتلوين العالم باللون البرتقالي – وهذا اللون هو رمز لمناهضة العنف ضد المرأة والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وليس من الصدفة أن اليوم الأخير من هذه الحملة هو أيضا اليوم العالمي للاحتفال بحقوق الإنسان.
كما قال الكثيرون، فإن المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة هو حق من حقوق الإنسان.
أخبار الأمم المتحدة: كيف لنا أن نعرّف العنف ضد المرأة. فقد لاحظنا أنه يكتسب العديد من الأوجه، مثل الاتجار، القتل، تشويه الأعضاء التناسلية، وغيرها.
محمد الناصري: هذه هي الأوجه الأكثر تطرفا للعنف ضد المرأة، ولكن العنف يأخذ أشكالا كثيرة، عندما تُمنع المرأة من مغادرة منزلها لممارسة العمل خارج المنزل هذا نوع من أنواع العنف، عندما تُمنع الطفلة من الذهاب إلى المدرسة والتعلم هذا نوع من أنواع العنف.
كما تفضلتِ العنف له أشكال عديدة، وحتى في هذه الأيام في هذا العصر امتد العنف إلى صفحات الإنترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ويتناول العنف الجنسي والتهديد بالقتل، إلى آخره…
لذا فالعنف يتخذ أشكالا عديدة، تبدأ من الأكثر تطرفا وهو الذي يشكل تهديدا على حياة المرأة، ولكن أيضا أيّ منع لها من ممارسة جميع حقوقها التي يجب أن تتساوى مع الرجل فيها، فهذا أيضا شكل من أشكال العنف.
أخبار الأمم المتحدة: يتعرض ثلث النساء في العالم لشكل من أشكال الإيذاء. كيف يبدأ إنهاء العنف ضد المرأة؟
محمد الناصري: يجب أن تكون هناك منظومة شاملة ومتكاملة لتناول ومناهضة العنف، يجب أن تكون المستشفيات مفتوحة لتلقي حالات العنف والتعنيف ضد المرأة والطفل والعنف القائم على النوع الاجتماعي، يجب أن يتولى نظام القضاء هذه القضايا بشكل من الصرامة والجدية والسرعة. يجب أن يكون في الشرطة من يتولى هذه الحالات ويتناولها بشكل من الأهمية والجدية.
ولكن فيما وراء ذلك، يجب أن نعمل على تغيير العقلية وتغيير الفكر المجتمعي في هذا المجال، ولن نستطيع تغييره إلا إذا تناولنا التعليم والإعلام وقراءة النص الديني، لا أقول إننا سنغيّر شيئا في النصوص الدينية، لكن نعيد قراءتها من منظور يتناول موضوع المساواة والحقوق بشكل يضمن ألا يكون القارئ فقط رجلا، وألا يكون المفسّر فقط رجلا. لكن المرأة لها أيضا الحق في أن تتناول هذه الأمور وتقرأها وتفسّرها كما فسّرها الرجال لآلاف الأعوام.
أخبار الأمم المتحدة: لماذا من المهم القضاء على هذه الظاهرة؟ كيف تؤثر على المجتمعات.
محمد الناصري: سيدتي لقد أجبتيِ على هذا السؤال في سؤالك ذاته، لأن العنف ضد المرأة والفتاة لا يترك أثرا سلبيا فقط على المرأة والطفلة، ولكن يترك أثرا سلبيا على المجتمع بأكمله. إذا أردنا غدا أفضل للجميع، لا بد من أن ننهِ العنف ضد المرأة.
إذا لم ننهِ العنف ضد المرأة ستشوب المجتمعات الكثير من العنف والكثير من التطرف، ولن تتاح الفرصة للمجتمع لأن يتقدم بصورة صحية.
أخبار الأمم المتحدة: إذا ما أردنا الحديث عن المنطقة العربية، ماذا بإمكانك أن تخبرنا عن هذه الظاهرة هناك؟
محمد الناصري: العنف له أشكال عديدة في الدول العربية. هناك العنف من الشريك والعنف داخل المنزل. لكن أيضا تمر المنطقة العربية بمرحلة من الصراعات والحروب ونرى ما يحدث في دول عديدة مثل ليبيا وسوريا وفلسطين والسودان، وهذا العنف أيضا له تداعيات مباشرة على النساء والفتيات، لأنهنّ للأسف هنّ من يدفعن الثمن الأفدح لهذه النزاعات والصراعات.
إضافة إلى ذلك، هناك جائحة كوفيد-19 أو كورونا والتي زادت من نسبة العنف ضد النساء والفتيات في المنزل.
في التقرير الأخير الذي أصدرته هيئة الأمم المتحدة للمرأة، بعد إجراء بحث في 13 دولة، تبيّن أن تقريبا نصف النساء اللاتي تم سؤالهن – 45 في المائة – أخبرن الباحثين والباحثات أنهن تعرّضن للعنف في خلال العام ونصف العام المنصرمين.
أخبار الأمم المتحدة: بالفعل، أردت أن أسألك عن العام الماضي وزيادة العنف ضد المرأة، هل بالإمكان أن نقول إن ثمة تراجعا في المكاسب التي تحققت في هذا المجال؟
محمد الناصري: نعم للأسف هناك تراجع، لكن في نفس الوقت ثمة وعي أكبر بهذا الموضوع. مع كوفيد، لو نتذكر ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة بعدها بعدة أسابيع عن العنف ضد النساء والفتيات، وهو أن جائحة كورونا أتت بجائحة موازية وهي العنف ضد النساء والفتيات.
وتم طرح هذا الموضوع بشكل لم يتم طرحه مسبقا في السنوات الأخيرة، بالتأكيد زادت الحالات لكن أيضا زاد الوعي والرغبة المؤسسية سواء كان ذلك من الدول أو من القطاع الخاص أو المجتمع المدني لإنهاء هذا العنف.
أخبار الأمم المتحدة: لدي سؤال بشأن مسؤولية المرأة ومسؤولية الرجل. ما هي مسؤولية كل منهما خاصة فيما يتعلق بالإبلاغ عن العنف ومعالجته.
إذا لم تكن المستشفيات ودور الإيواء تستوعب كل هذه الحالات، لن يكون لدى النساء الشجاعة أو القدرة على الإبلاغ
محمد الناصري: مسؤولية الإبلاغ هي مسؤولية أي أحد يسمع أو يكون شاهدا على حالة من حالات العنف. ليس فقط المرأة المعنفة أو فرد من أفراد عائلتها، ولكن من يشهد على هذه الحالة يجب عليه الإبلاغ.
يجب على النساء أن يواصلن الإبلاغ عن هذه الحالات، لكن أيضا هذا يذكرنا بالسؤال السابق أنه يجب أن يكون هناك نظام مؤسسي يستقبل هذه الحالات. فإذا كانت المرأة تريد أن تبلغ عن هذه الحالة ولكن ضابط الشرطة لا يستقبلها بالأهمية والجدية فلن تقوم بالإبلاغ. إذا لم تكن المستشفيات ودور الإيواء تستوعب كل هذه الحالات، لن يكون لدى النساء الشجاعة أو القدرة على الإبلاغ. يجب أن يكون هناك نظام يستوعب هذه الحالات كي يكون لدى النساء الثقة في هذا النظام وهذه المنظومة.
أخبار الأمم المتحدة: وبالنسبة لمسؤولية الرجل؟
محمد الناصري: مسؤولية الرجل كبيرة، لأنه للأسف أنا دائما أقول إن العقلية الذكورية أو المجتمع الذكوري هو الذي يسبب العنف، ولكن هذه العقلية وهذه الأفكار ليست فقط في عقل الرجال والصبيان ولكن في عقل المجتمع بأكمله، وبالتالي يجب تناول منظومة التعليم ومنظومة الإعلام وغيرها.
لكن الرجل في النهاية هو من يتسبب في هذا العنف، فيجب أن يكون هناك نوع من الضغط من الرجال على الرجال لإعطاء أمثلة أفضل لتعريف الذكورية وتعريف الذكورة، وتعريف الرجولة، فتعريف الرجولة لا يكون في تعنيف النساء والفتيات، ولكن يجب أن يتوفر مفهوم إيجابي ومن هناك تأتي مسؤولية الرجال.
المصدر : أخبار الأمم المتحدة