الجمعة24أكتوبر2025 - يومًا سعيدًا!
موقع قبس الإخباري
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • حوارات
  • فيديوهات
موقع قبس الإخباري
  • رأي
  • مؤسسة قبس ETS GHABESS
  • اتصل بنا

موريتانيا بين مطرقة الفساد وسندان الفقر(رأي حر)

كتبه Mohamed يناير 25, 2025
يناير 25, 2025
A+A-
Reset
146
محمد يحيى \اجيد\ الشيخ، مدير العلاقات الخارجية بالجمعية الوطنية سابقا 

كتب محمد يحيى \اجيد\ الشيخ

موريتانيا، هذه الأرض الغنية بمواردها الطبيعية وتنوعها الثقافي، تبدو اليوم كسفينة مثقلة بالأزمات، تُبحر بلا وجهة واضحة، تعصف بها رياح الفساد وسوء الإدارة. وبينما يملك هذا البلد إمكانيات هائلة لتحقيق التنمية والازدهار، فإنه يقبع في دوامة من الفقر والتخلف، بفعل حفنة من المتنفذين الذين نهبوا خيراته واحتقروا شعبه، غير مبالين بمعاناة الملايين الذين يكافحون من أجل البقاء.

الفساد في بلادنا ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو منظومة متجذرة، تُدار بوقاحة مكشوفة من قبل نخبة متنفذة جعلت من الدولة ملكية خاصة تُدار وفقاً لمصالحها الضيقة. هذه الفئة استباحت المال العام، وقامت بتحويله إلى أرصدة شخصية وعقارات فاخرة في الداخل والخارج. بينما يموت الأطفال جوعاً ومرضاً، يُنفق هؤلاء الملايين على ترفهم، متجاهلين أن ثروات البلاد حق لجميع مواطنيها.

إن الميزانيات المخصصة للتنمية والخدمات العامة تُصرف في قنوات مشبوهة، تاركة القطاعات الأساسية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية في حالة يُرثى لها. المستشفيات متهالكة، والمدارس تعاني من نقص المعلمين والمرافق الأساسية، والطرق غير صالحة للاستخدام. هذه المظاهر ليست سوى انعكاس لسياسة إهمال منهجي تمارسها النخب الفاسدة التي تدير البلاد .

ما يزيد الطين بلة هو الفجوة الطبقية الهائلة بين أقلية مرفّهة وغالبية مسحوقة. الطبقة الحاكمة، التي يمكن تسميتها بـ “برجوازية المال الحرام”، تنافس نفسها في البذخ والترف. يمتلكون القصور الفاخرة والسيارات الفارهة، ويعيشون حياةً مترفة بعيداً عن الواقع المرير الذي يعيشه المواطن العادي. أما الفقراء، فيعيشون في عشوائيات تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الكريمة، يعانون من البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة، بينما تتلاشى أحلامهم في الحصول على مستقبل أفضل.

أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار هذه الحالة هو غياب المحاسبة الحقيقية. النخب الحاكمة استغلّت ضعف مؤسسات الدولة لتثبيت أقدامها في السلطة، حيث يتم التلاعب بالقوانين والمؤسسات القضائية لضمان الإفلات من العقاب. من النادر أن نرى مسؤولاً يحاسب على فساد أو سوء إدارة، مما يشجع آخرين على السير في نفس الطريق. هذا الانفلات يكرّس ثقافة الفساد كأمر طبيعي، حيث يصبح النهب والاستغلال وسيلة لتحقيق النفوذ والثراء.

المواطن الموريتاني العادي يعيش موتاً بطيئاً، محاصراً بين الفقر والأمراض وسوء الخدمات. التعليم، الذي يُعتبر أمل الشعوب للخروج من براثن التخلف، يعاني من التدهور المستمر. الأجيال الصاعدة تفتقد إلى التعليم الجيد، مما يفاقم أزمة البطالة ويزيد من هشاشة الوضع الاجتماعي. أما الصحة، فهي في حالة شبه انهيار، المستشفيات تفتقر إلى الأدوية والتجهيزات الأساسية، مما يدفع الأغنياء للعلاج في الخارج، بينما يواجه الفقراء مصيرهم المحتوم.

في كل مرة ينعقد فيها مجلس الوزراء، غالبا ما يخرج على الشعب بقرارات تبدو للوهلة الأولى وكأنها تحمل بارقة أمل في التغيير. لكن الحقيقة المؤلمة التي يدركها المواطن الموريتاني جيداً هي أن معظم هذه القرارات لا تعدو كونها خطوات رمزية لذر الرماد في العيون، تهدف إلى تهدئة الرأي العام وإيهام الشعب بأن هناك إصلاحاً حقيقياً قيد التنفيذ. هذه الاجتماعات، التي غالباً ما تنتهي ببيانات مطوّلة حول “التزام الحكومة بمحاربة الفساد وتعزيز التنمية”، لا تنعكس بأي شكل ملموس على أرض الواقع.

في إطار هذه السياسات الخادعة، أعلن مؤخراً عن استحداث هيئة جديدة لمكافحة الفساد، وقد تم الترويج لها إعلامياً على أنها خطوة نوعية في اتجاه تعزيز الشفافية والمساءلة. لكن التاريخ القريب يجعل من الصعب تصديق جدية هذه الهيأة أو قدرتها على إحداث فرق. فمنذ عقود، تكررت هذه السيناريوهات بإطلاق هيئات ولجان لمحاربة الفساد، لكن معظمها انتهى إما بالتقاعس عن أداء دورها، أو بتحويلها إلى أداة لتصفية الحسابات السياسية، أو لتلميع صورة النظام أمام الشركاء الدوليين.

السؤال الجوهري الذي يطرحه المواطن الموريتاني: كيف يمكن لهيأة أن تحارب الفساد بينما تنبثق عن نظام غارق فيه حتى النخاع؟ إن المشكلة الحقيقية ليست في غياب الهيئات الرقابية، بل في غياب الإرادة السياسية الحقيقية لتفعيل هذه الآليات ومحاسبة المتورطين، بغض النظر عن مواقعهم ونفوذهم.

على الجانب الاقتصادي، غالباً ما يُعلن مجلس الوزراء عن قرارات تتعلق بتحفيز الاستثمار أو تخفيف أعباء المعيشة عن المواطنين. لكن الواقع يظهر أن هذه القرارات تخدم فئة معينة من رجال الأعمال المرتبطين بالنظام، وتؤدي في النهاية إلى زيادة الأعباء على الفقراء. ففي حين يتم منح الامتيازات والإعفاءات الضريبية لكبار المستثمرين، تُفرض ضرائب ورسوم جديدة على الخدمات الأساسية، مما يثقل كاهل المواطن العادي.

أحد أكبر الإشكالات في هذه القرارات والإجراءات هو غياب آليات فعالة للمتابعة والمساءلة. فبعد إصدار القرارات، نادراً ما تُنشر تقارير تفصيلية عن كيفية تنفيذها، أو عن النتائج التي حققتها. هذا الغياب للشفافية يفتح الباب أمام التلاعب والتقاعس، حيث يصبح من السهل الالتفاف على هذه القرارات دون أي تبعات.

لا يمكن إغفال أن جزءاً كبيراً من هذه التحركات والإعلانات يتم توجيهه نحو الخارج أكثر مما يُراد به إحداث تغيير حقيقي في الداخل. فالنظام يدرك أهمية كسب رضا المانحين الدوليين، سواء كانوا مؤسسات مالية أو دولاً شريكة. ولذلك، فإن استحداث الهيئات وإطلاق المبادرات يُستخدم غالباً كورقة لإظهار التزام النظام بالإصلاح، دون أن يكون لذلك أي تأثير ملموس على حياة المواطن الموريتاني.

رغم كل هذه المحاولات المراوغة، فإن الشعب الموريتاني بات أكثر وعياً بحقيقة هذه التحركات. فالمواطن العادي، الذي يعاني يومياً من ارتفاع الأسعار وتدهور الخدمات، يعرف جيداً أن القرارات والهيئات ليست سوى مسرحيات متكررة لإطالة عمر النظام واستمرار سيطرته على مقدرات الدولة.

ما تحتاجه موريتانيا ليس المزيد من الهيئات الشكلية أو القرارات الإعلامية، بل خطة شاملة وجادة لمحاربة الفساد، تتضمن إصلاح النظام القضائي، وتعزيز الشفافية في إدارة الموارد العامة، وضمان أن تصل عائدات الدولة إلى المواطنين الأكثر احتياجاً. الشعب الموريتاني يستحق العيش في دولة تحترم حقوقه وتعمل من أجله، وليس في دولة تستنزف طاقاته لصالح أقلية مستبدة.

ومع كل ذلك، لا يزال الأمل قائمًا في قدرة الرئيس محمد ولد الغزواني على تجاوز الإخفاقات السابقة والشروع في بناء أسس حقيقية للتغيير الذي تنشده البلاد. صحيح أن مأموريته الأولى أضاعت فرصة ثمينة لتحقيق إصلاحات جوهرية، وأن الزمن المتبقي من مأموريته الثانية قد لا يكون كافيًا لتنفيذ تلك الإصلاحات بشكل كامل، لكن الفرصة لم تضع بالكامل. يبقى أمام الرئيس خيار تاريخي يمكن أن يغير مسار الأمور، وهو التخلص من طغمة الفساد الذين يشكلون العقبة الرئيسية أمام التقدم، وتفعيل هيئات إنفاذ القانون والمحاسبة بشكل صارم. كما أن تطوير التشريعات الردعية وتعزيز الرقابة قد يشكلان خطوة جوهرية نحو إرساء دعائم دولة القانون والمؤسسات.

إن مواجهة التحديات تتطلب توجيه الجهود نحو الإصلاح الحقيقي، وتبني سياسات شجاعة تستهدف النهوض بالمجتمع والاقتصاد، بعيدًا عن المجاملات السياسية والتردد. إن توجيه البلاد نحو هذه الوجهة يعني الالتزام بمصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وهو ما ينتظره الشعب، ويطمح إليه كل مواطن مخلص. الأمل لا يزال حيًا، وما زال بإمكان الرئيس أن يسجل اسمه في صفحات التاريخ كقائد أحدث فارقًا حقيقيًا، شرط أن يتحلى بالإرادة السياسية والحزم اللازمين لمواجهة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية.

الأمل لا يزال قائماً، لكنّه يتطلب عملاً جاداً وإرادة حقيقية للتغيير. الخلاص لن يأتي إلا إذا تمت محاربة الفساد بجدية، وتفعيل مؤسسات الدولة لتعمل لصالح الشعب وليس لمصلحة فئة قليلة. الإصلاح يبدأ كما أسلفنا من بناء قضاء مستقل ونزيه، يُحاسب الفاسدين بلا تمييز، ويُعيد للدولة هيبتها. يجب استثمار موارد البلاد في مشاريع تنموية حقيقية تخلق فرص العمل، وتحسن من مستوى المعيشة، وتُعيد الثقة للمواطنين.

كما أن الشعب الموريتاني، بوعيه وصبره، يُمكنه أن يكون القوة الدافعة للتغيير. الضغط الشعبي السلمي والمطالبة المستمرة بالحقوق هي أدوات فعالة لإجبار الأنظمة على الإصلاح أو الرحيل. لا بد من استنهاض الهمم، وتوحيد الجهود بين مختلف فئات المجتمع لتحقيق مستقبل أفضل.

موريتانيا ليست فقيرة، انها فقط تُدار بطريقة تُفقِر شعبها وتُغني قلة قليلة على حساب الملايين. الأرض غنية بالثروات، والإنسان الموريتاني يمتلك من العزيمة والكرامة ما يكفي لتحقيق النهضة. ما ينقص هو سياسات رشيدة تُعيد الأمور إلى نصابها، وتُقيم العدالة والمساواة، وتضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار.

يبقى الأمل معقودًا على الرئيس في أن يتخذ خطوات حاسمة نحو الإصلاح الحقيقي، رغم ما فات من فرص في مأموريته الأولى وما يضيق به الوقت فيما تبقى من الثانية. إن الإطاحة بأدوات الفساد وتفعيل هيئات الرقابة والمحاسبة بحزم وليس كشعار، إلى جانب تطوير التشريعات الردعية، هي مسارات ضرورية لإعادة توجيه البلاد نحو العدالة والتنمية. فاللحظة الراهنة تتطلب شجاعة القرار وتغليب مصلحة الوطن.

شاركها 1 FacebookTwitterWhatsapp

قبس على فيسبوك

Facebook Pagelike Widget

اختيارات المحرر

  • ولد اجاي: مشاريع زراعية كبرى في طريق الإطلاق لتعزيز السيادة الغذائية
  • نواكشوط.. وزير الصيد يجتمع مع سفير الاتحاد الأوروبي
  • نواكشوط .. انطلاق أعمال منتدى موريتاني تونسي لتعزيز التعاون في مجال التكنولوجيا والابتكار
  • هيئة حقوقية تدعم جهود التكفل بالمهاجرين في نواذيبو
  • ملتقيات إعداد المخطط الوطني للاستصلاح الترابي تنطلق بالنعمة

اخترنا لكم

  • ولد اجاي: مشاريع زراعية كبرى في طريق الإطلاق لتعزيز السيادة الغذائية
  • نواكشوط.. وزير الصيد يجتمع مع سفير الاتحاد الأوروبي
  • نواكشوط .. انطلاق أعمال منتدى موريتاني تونسي لتعزيز التعاون في مجال التكنولوجيا والابتكار
  • هيئة حقوقية تدعم جهود التكفل بالمهاجرين في نواذيبو
  • ملتقيات إعداد المخطط الوطني للاستصلاح الترابي تنطلق بالنعمة

المقالات الشهيرة

  • 1

    سيد أحمد ولد أج رئيس القبيلة والموريتاني الأول.....

    فبراير 24, 2025 2.7K مشاهدات
  • 2

    سياسة توظيف الموارد البشرية “دلالات على هامش تعميم...

    يونيو 23, 2025 2.5K مشاهدات
  • 3

    انقلاب هرم الوظيفة العمومية في موريتانيا

    يناير 24, 2025 2.1K مشاهدات
  • 4

    بناء دولة القانون والمؤسسات مسار تراكمي..\ محمد اقلمبيت

    ديسمبر 28, 2024 1.9K مشاهدات
  • 5

    تأملات في الشعر الحساني … (2) / سيد...

    مارس 31, 2024 1.7K مشاهدات

قبس

قبس

مؤسسة قبس للإنتاج السمعي البصري ، مؤسسة إعلامية خاصة ، مقرها نواكشوط - موريتانيا. تشارك في المقاولات الإعلامية + وصناعة الإشهار ، تمتلك قبس طاقما مهنيا ومتميزا . وتبرز "قبس "من خلال موقعها الإلكتروني ومنصاتها على كافة شبكات التواصل الإجتماعي لجمهورها كفاعل إعلامي في تسهيل ولوجه للمعلومة والخبر من خلال خط تحريري يستهدف الدقة والمهنية. هاتف و واتساب: 36103113

التصنيفات

  • اقتصاد (371)
  • الأخبار (4٬340)
  • الأدب الحساني (32)
  • تدوينات (73)
  • تقارير وتحقيقات (55)
  • ثقافة وفن (336)
  • حوارات (9)
  • رأي (102)
  • رياضة (219)
  • صحة (88)
  • فيديوهات (30)
  • مجتمع (208)
  • منوعات (101)
  • Facebook
  • Twitter
  • Linkedin
  • Youtube
  • Whatsapp
  • Tiktok

© 2023 - جميع الحقوق محفوظة. تصميم وتطوير MAURI-TECH SOLUTIONS.

موقع قبس الإخباري
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • حوارات
  • فيديوهات
موقع قبس الإخباري
  • رأي
  • مؤسسة قبس ETS GHABESS
  • اتصل بنا

مقالات ذات صلةx

القاضي/ الشيخ ول اجيد ول الشيخ...

أبريل 2, 2025

رحيل رجل من جيل التأسيس: أحمد...

يونيو 23, 2025

5 لا بد من زيارتها: ليتل...

يوليو 30, 2021