
أطلعني أحد الأصدقاء على بعض من النقاشات الدائرة حاليا حول موضوع “الإفلاق” وسألني عن رأيي حولها، فقلت له إنه لم يسقط على الخبير فسؤال بحثي مثل هذا يطرح على أهل التخصص الممسكين بناصية الأدب الحساني المطلعين على مختلف مدارسه، والعارفين بأساليب نقده، والملمين بقضاياه، ولما أصر على سماع رأيي، قلت له إنني أعطي “الإفلاق” حكم المحسنات اللفظية، فما جاء منها سلسا لا تكلف فيه، كان نقطة قوة للنص ومظهرا من مظاهر تمكن الأديب في اللفظ والشكل الخارجي للنص، وتوظيف المحسنات اللفظية كالجناس والطباق والمقابلة في الشعر مثل استخدام الملح والتوابل في الطعام، فإذا زادت عن الحد المعتاد وضع الطعام جانبا، وهذا قد يغيب عن بعض الشعراء فيظن ان العتنة تتجلى في كثرة الجناس أو “التلميح” أو الإفلاق، فيقع في مصيدة التكلف والصناعة، والشعر المطبوع هو المقصود والمرفود فافهم…
سمع أديب مُدِلٌ، بأدب وأدباء “المدرسة” وببراعتهم في لكطاعات وسرعتهم في إنتاج كفان لشوار فذهب إلى مجلسهم وقرر أن يتحداهم، فتناهبه الأدباء الحاضرون وعدلولُ طارت، حيث خاطبه الأديب المصقع بدال بن سيد ميله قائلا:
وَاعْرَفْ لاَتِتْمَغْنَ
عَنْ يَلْمَانَكْ شَاعِرْ
لِغْنَ وَاعِرْ، لِغْنَ
وَاعِرْ، لِغْنَ وَاعِرْ
وقبل أن يستوعب كاف بدال، أردف عليه الأديب الأريب منير بن إخليه بقوله:
وَاعْرَفْ سَابِكْ تِنْذَرْ
عَنْ لِفْلاَقَاتْ ابْهَاكْ
أَوْعَرْ مِنْ ذَاكْ، أَوْعَرْ
مِنْ ذَاكْ، أَوْعَرْ مِنْ ذَاكْ
فتفاجأ الأديب من سرعة بديهة الأديبين واتمعليم كافيهما، رغم الأسلوب الهزلي والعفوي الذي طغى عليهما، وسل انعايلو وامش
وقبل أن نبتعد عن أدب المدرسة يعتبر كاف الأديب الأريب البراء بن ببكر نسيج وحده في قرب المأخذ وبعد الغور وانسيابية الإفلاق،
حَدْ ابْتِخْمَامُ
مِنْ هَوْلِكْ لاَ مَلْ
مَا مَلْ أَلاَّ مُ
عَدَّلُّ عَمَلْ
وذات جلسة أدبية في صالون الأديب المصقع الرجال بن الميداح غِبّ إحدى حملات الحزب الجمهوري في المذرذرة، قال الرجال للحاضرين، أشهدكم إنني رفعت قبعة الأدب لصديقي أحمد بن سيد ميل، فقالوا له كيف ذلك وما سببه، قال لهم لقد كتبت مؤخرا نصا اضطررت فيه لإفلاق كلمة موريتاني، حفاظا على موسيقى النص، فقلت:
كَرْتِ نِزْرِكْهَ مَاعَكَّرْتْ
لِلْحِزْبْ الجُمْهُورِ مُورِ
تَانِ مُخْلِصْ مَا يِزْرِكْ كَرْتْ
مَاهُ لِلْحِزْبْ الجِمْهُورِ
بينما لم يحتج الأديب أحمد بن سيد ميل إلى الإفلاق، بل امتاح من مخزونه المعرفي من الحسانية فوجد كلمة “مُورِ فلزَّم” بها الحزب الجمهوري قائلا:
مَدَّ تِبْغِ مُورِ
هَمْ المُوَاطِنِينْ
لِلْحِزْبْ الجِمْهُورِ
تِزْرِكْ فِلْحِينْ افْحِينْ