
كتب أقريني أمينوه
في بلادي، وهي الطيبة كابتسامة رضيع؛ والمستلبة مثل فتاة في أحد أحياء الهامش بنواكشوط؛ تواضع القضاة؛ وموجهو الرأي العام والوزراء ورؤساء المجالس الجهوية واتحاد الأئمة وتجمع مشاهير سناب شات ، تواضعوا على أن يغضوا الطرف عن كل شيء.
وبالفعل تحول المفسد إلى بطل قومي؛ وأصبحت الخيانة وجهة نظر؛ وتكاثر طفيليو الإدارة القافزين في تعيينات مجلس الوزراء التي تُرضي الجميع ولو على حساب الكفاءة والمصلحة الوطنية.
في نهاية أكتوبر الماضي؛ نفدت مادة طبية شديدة الحساسية؛ إذ تحول الحصول على لقاح حمى الملاريا؛ يُضاهي مشقة الحصول على رخصة للتنقيب عن المواد النفيسة في مجلس الوزراء لصاحب دكان في حي دبي شرقي توجنين.
انتشرت الملاريا في خمس ولايات من الوطن السعيد والذي يبدأ بث إذاعته الرسمية كل صباح ببرنامج يحمل اسما مستفزا للسكان:
صباح الخير يا وطن!!
تحولت ممرات مستشفيات عواصم الحوض الغربي وتكانت ولبراكنة إلى قسم حميات كبير؛ وفي ولاية لعصابة اشترى أحدهم حقنة … بثمن بقرته “التلاد” إنقاذا لرضيعه!!
وصلتني برقية إخبارية من مراسل قبس في إحدى ولايات الوطن، بسيطة من ثلاث جمل؛ وفيات في مستشفى تجكجة لمواطنين قادمين من قرى أفقر ولاية في موريتانيا؛ وهي بالمناسبة دولة من أفقر عشرين دولة حول العالم؛ حسب جميع مؤشرات الأمم المتحدة.
أجريت اتصالات مع منتخبين ومواطنين من القرى التي تحدث عنها المصدر؛ وكانت النتائج صادمة؛ كارثة صحية تعصف بعشرات القرى؛ لا أحد يستطيع القيام بواجباته اليومية.. إمام المسجد أقعدته الملاريا؛ وبناءُ القرية يتجرع مرارة المرض في عريش متهالك على بعد أكثر من 600 كيلومتر من العاصمة السعيدة التي يكتنز فيها البنك المركزي ملايين العملة الصعبة التي يفترض أن تستورد بها “كاميك” حبة دواء لذلك المسكين الذي يتألم؛ قبل أن يتوارى عن الأنظار وإلى الأبد.
في الطرف الثاني من العالم؛ كان وزير الصحة يتابع باهتمام حقيقي كيف توصل العلم لحل مشاكل صحية أرقت العالم في مؤتمر دولي تستضيفه المانيا؛ ولا يعلم أن قطاعه سيواجه أسابيع صعبة بسبب نقص الدواء وتخبط الرؤية الاستشفائية وضبابية المشهد؛ لكن جميع مصالح وإدارات قطاعه لم تُكلف نفسها تفقد مستودعات الأدوية الموسمية في مخازنها؛ ولم تعلم عبر تقارير المديرين الجهويين بداء فتاك بدأ ينتشر في خمس ولايات من الوطن؛ وهو أمر متوقع لأي ممرض حذق بعد موسم خريف ماطر.
الحقيقة المرة التي لم ينتبه لها أحد؛ أن الداء الحقيقي هو ضعف الإدارة وسطحية معارفهم بواقع التعامل مع الكوارث الصحية.
في كل كوارث الموريتانيين غالبا يكون هناك شخص ما؛ جاء بفعل جينات قرابة وفساد مستوطن في عقل مسؤول؛ وعادة ما يُسبب هذا الشخص كارثة لقطاعه وشعبه والناس أجمعين.
وبالطبع في أزمة حمى الملاريا الماضية؛ ليس المسؤول عنها وزير الصحة الطبيب طيب الذكر؛ بقدر ما يقف ورائها من تسبب في توقيف تسع برامج وطنية معنية بالتعامل مع الأمراض المستوطنة في بلادنا وكانت جهات دولية تتولى التنسيق والعمل مع موريتانيا على القضاء عليها.
واليوم بإمكان شلل الأطفال أن يعود؛ وكذلك الكساح والملاريا والحصبة الألمانية؛ بسبب انتشار حميات الفساد والمحسوبية والزبونية والشللية.